كشف الغطاء عن عدم صحة أخذ زيد عن واصل بن عطاء 2-2

عدنان الجنيد

2- أما إذا افترضنا أن الإمام زيد تتلمذ على يد واصل في البصرة حسب رأي الغالبية نقول : إن الإمام زيد بن علي -عليه السلام- ما خرج من المدينة واتجه إلى العراق إلا وهو إمام وأحد مراجع هذه الأمة وقد أثنى عليه الكثير من الأئمة والعلماء الذين عاصروه وأشاروا إليه بالأعلمية وإليك بعضاَ من ذلك – كنموذج فقط – :
قال عنه أبو اسحاق السبيعي :” رأيتُ زيداً بن علي فلم أرَ في أهله مثله ولا أعلم منه ولا أفضل وكان أفصحهم لساناً وأكثرهم زهداً وبياناً “ (1)
وقال أبو حنيفة :” شاهدت زيد بن علي كما شاهدت أهله فما رأيت في زمانه أفقه منه ولا أعلم وأسرع جواباً ولا أبين قولاً لقد كان منقطع القرين “ (2)
وقال فيه خالد بن صفوان :” ما رأيت في الدنيا رجلاً قرشيا ولا عربياً يزيد في العقل والحجج والخير على زيد بن علي “ (3)
وقال فيه – أيضاً – أبو خالد الواسطي : “صحبت زيداً في المدينة قبل قدومه الكوفة خمس سنين ، أقيم عنده في كل سنة أشهراً كلما حججت – إلى أن قال – فما أُحدّث عنه الحديث إلا وقد سمعته مرة أو مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً أو أكثر من ذلك وما رأيت هاشيماً مثل زيد بن علي فلذلك أخترت صحبته على جميع الناس “ (4)
قلتُ : إن أبا خالد الواسطي أخذ عن الإمام زيد وروى عنه وهو – أي الإمام زيد – في المدينة وكذلك روى عنه بعد خروجه والشاهد هنا أن الإمام زيد قد ذاع اسمه وانتشر علمه حتى سارت به الركبان في جميع البلدان وهو مازال في المدينة ولهذا ورد أبو خالد إلى المدينة لصحبة الإمام زيد بسبب شهرته هذا ولولم يكن إلا ما قاله فيه أخوه الأكبر الإمام الباقر لكان كافياً حيث قال لمن سأله عنه :” سألتني عن رجل مليء إيمانا وعلماً من أطراف شعره إلى قدميه وهو سيد أهل بيته “ (5)
فهذا الوصف ليس من إنسان عادي بل من باقر علوم الأنبياء الإمام محمد الباقر (ع )فإذا علمت هذا فكيف يُعقل أن يذهب الإمام زيد _وهو بهذه المكانة من العلم_ إلى البصرة لكي يتتلمذ على يد واصل بن عطاء ؟ وإذا صح ذهابه إلى البصرة ففي أي سنة ذهب ؟ وكم كان عمره _عليه السلام_ ؟ فلن يجدوا جواباً لذلك.. وهناك رواية تدل على أن الإمام زيد كان قد نال العلم الأوفى وكان له القدرة في الجواب على المعضلات الكبيرة والمسائل الخطيرة كل هذا في زمن والده زين العابدين
جاء في “الروض النضير”ما نصه :” عن أبي خالد الواسطي وأبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر- الأمام محمد الباقر – أنه قال لهما يا أبا خالد وأنت يا أبا حمزة إن أبي دعا زيداً فاستقرأه القرآن فقرأ عليه ، فسأله عن المعضلات فأجاب ثم دعا له وقبّل بين عينيه ، ثم قال أبو جعفر : “يا أبا حمزة إن زيداً أعطي من العلم علينا بسطة “ (6) قلت : إن وفاة واستشهاد الإمام زين العابدين كان في سنة 94هـ أو 95هـ بإتفاق الكثير من كتب الطبقات والتراجم وولادة الإمام زيد كانت في 66هـ أو67هـ حسب ما ذهبنا إليه سابقاً فيكون عمر الإمام زيد عند وفاة والده 27 سنة أو 28 سنة وأما إذا كانت ولادته في سنة 75هـ فيكون عمره عند وفاة والده 20 سنة أو 19 سنة … وإذا كانت ولادته في سنة 80هـ – حسب رأي البعض – فيكون عمره عند وفاة والده 14سنة أو 15 سنة..
وطالما قد أثبتنا صحة ما ذهبنا إليه من تحديد ولادته فهو بذلك يكون بلغ مرتبة من العلم لم يصل إليها أحد من أقرانه بدليل عمره الدال على سعة استيعابه لعلوم عصره ومجرياته ، هذا وهو في زمن والده وأما لقاءه بواصل وتلمذته له – إن سلمنا جدلاً – لم تكن إلا بعد وفاة والده ، فما هو العلم الذي لم يجده الإمام زيد عند والده حتى وجده عند واصل؟!
3-قد يقول البعض إن الإمام زيدا ما أخذ عن واصلا إلا لأن واصل أخذ علمه عن محمد بن الحنفية ، ومحمد بن الحنفية أخذ علمه عن والده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – عليه السلام -…
إذاً فأخذه عن واصل هو في الحقيقة أخذه عن جده علي بن أبي طالب
اقول : إذا كان الإمام زيد قد أخذ علمه مباشرة عن والده وأخيه الأكبر وهما أئمة آل البيت فما الذي يحوج زيد للأخذ من واصل ؟! فأخذه من علوم آبائه مباشرة أنقى وأعظم لأنه خالي من أي شائبة أما أخذه علم أجداده عن طريق واصل فهو نقص في حقه (سلام الله عليه ).. ..
وأما ما ذُكر في طبقات المعتزلة من أن واصلاً أخذ علم الكلام عن محمد بن الحنفية وصار له كالأصل لسنده (7) ، فهذا لا يصح وذلك لأن محمد بن الحنفية توفي سنة 81هـ باتفاق الغالبية بينما واصل بن عطاء كانت ولادته سنة 80هـ بالاتفاق يعني أن وفاة محمد بن الحنفية كانت بعد سنة من ولادة واصل ! فلا يُعقل أن واصلاً أخذ علم الكلام عن محمد بن الحنفية وعمره سنة بل حتى لو بلغ العشر السنوات فلا يُعقل ذلك…
وكذلك ذُكر في طبقات المعتزله ما نصه :” أبو هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية وهو الذي أخذ عنه واصل وكان معه في المكتب فأخذ عنه وعن أبيه “ (8) … أقول : لا مانع في أخذ واصل عن أبي هاشم ولكن هناك بعض الإستفهامات -متى تتلمذ واصل على يد أبي هاشم ؟
ذكر بعض الكُتاب أن اعتزال واصل للحسن البصري كان في حدود سنة 100هـ
وهنا نسأل كم كان عمر واصل حينما تتلمذ في المدينة على أبي هاشم ؟ وإذا كانت هذه التلمذة في البصرة فمتى سافر أبو هاشم إليها؟ أضف إلى ذلك أنه لم يؤثر عن أبي هاشم أنه قدم البصرة بل لا يوجد ما يوضح تاريخ انتقال واصل إلى البصرة وسبب استقراره فيها … هذا إذا كان حقاً ولد في المدينة ولقائل يقول : إذا كانت تلمذة الإمام زيد لواصل ليست صحيحة وكذلك إذا كانت تلمذة واصل لمحمد بن الحنفية ولولده أبي هاشم ليست صحيحة فلماذا نسبوا تلمذة الإمام زيد لواصل وتلمذة واصل لمحمد بن الحنفية وولده ؟! وماهو سبب ذلك
أقول : إن المعتزلة في القرني الرابع والخامس الهجري واجهوا مشكلات كبيرة وخصومات عديدة سيما مع الأشاعرة فأرادوا أن يجعلوا لمنهجهم أصلاً وظهراً يستندون إليه في مواجهة تلك التحديات فاضطروا أن ينسبوا أخذ واصل عن محمد بن الحنفية وعن ولده ونسبوا تلمذة زيد لمؤسسهم – واصل – حتى يكون أساس منهجهم هاشمياً مع أنهم كانوا لا يحتاجون لذلك لأن أفكارهم مستنيرة وقد حلوا مسائل خطيرة ، ودافعوا عن الإسلام بأفكارهم الحرة ، واحترموا العقل ووافقوا بمنهجهم أكثر آراء آل البيت بل ووافقوهم بالعدل والتوحيد.. وللعلم بأن الزيدية ليست معتزلة في الأصول ولا مقلدة لها نعم ألتقت أفكار الزيدية بأفكار المعتزلة في العدل والتوحيد وهذا لا يعني بأن الزيدية تأثرت بالمعتزلة بل المعتزلة تأثروا بأئمة الزيدية فمسائل العدل والتوحيد التي تكلم بها أئمة آل البيت ظهرت قبل ظهور فكر المعتزلة هذا وقد خالفت الزيدية المعتزلة بمسائل أخرى كما خالفت الأشاعرة.. فأساس مذهب آل البيت وكذلك المعتزلة هو العدل والتوحيد كما هو معلوم والله تعالى أعلى وأعلم
هذا وما هدفي من هذا المقال إلا تنزيه الإمام زيد من أن يأخذ علمه من غير آل بيته معدن الرسالة ومهبط الوحي سيما وهو قريب من عهد النبوة فوالده الإمام زين العابدين وجده الإمام الحسين والإمام علي بن أبي طالب – عليهم السلام –
وليس مرادي القدح في المعتزلة ولا في مؤسسها والله من وراء القصد والهادي إلى سواء السبيل والحمدلله أولا وآخرا.
الهوامش:
(1)- “الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير “ (50/1) للسياغي ، دار الجبل – بيروت “
(2)- “ المرجع السابق “ (50/1)
(3)- “ الروض النضير “ للسياغي (52/1)
(4)- “ المرجع السابق “ (28/1)
(5)- المرجع السابق(55/1)
(6)- “ الروض النضير “ (54/1)
(7)- انظر “ طبقات المعتزلة “ للإمام أحمد بن يحيى المرتضى عند كلامه عن الطبقة الثانية
(8)- انظر المرجع السابق لابن المرتضى عند كلامه عن الطبقة الثالثة .
#المركز_الاعلامي_لملتقى_التصوف.

قد يعجبك ايضا