(حارة الشهداء) لن تخيفنا طائراتكم
عبدالوهاب الضوراني
من يصدق أن هذه العبارة التي أصبحت تغريدة يشدو بها الأطفال والكبار على السواء أطلقها أحد الأطفال عندما فاجأته كالأفعى وأشد هولاً إحدى ناعقات سلاح الجو “السعوإماراتي”وهو يلعب مع أقرانه في حارتنا عندما اخترقت فجأة وكالقضاء المستعجل الأجواء الإقليمية اليمنية فسدد نحوها فوهة بندقيته الصغيرة التي اقتناها من أحد محلات ألعاب الأطفال وهو يردد في أعقابها بأعلى صوته “لن تخيفنا طائراتكم” نفس المشهد يتكرر في مكان آخر وجولة أخرى لا أتذكر بالضبط المكان ولكني أتذكر المشهد ومفارقاته عندما صك مسامع أحد المارة صوت انفجار هائل ومفاجئ أعقبته أبواق سيارات الإسعاف وضوضاء المارة الذين سارعوا من مكانهم إلى مكان الحادث للاستطلاع وانتشال الضحايا من تحت الأنقاض فأدار الرجل ظهره ومضى مستأنفا السير لا يلوي على شيء وهو يردد خلفه بعدم اكتراث “لن تخيفنا طائراتكم”.
يقول شاهد عيان إن المنطقة التي وقع فيها الانفجار هذه المرة هي فج عطان الأكثر استهدافا لطائرات العدوان وأن إحدى تلك الطائرات أغارت على إحدى المناطق السكنية في المنطقة المنكوبة وأن فرق الإنقاذ لم تتمكن من الوصول إلى مكان الحادث بسبب الشظايا والازدحام وأن الضحايا لا زالوا تحت ألسنة اللعب والأنقاض يبدون بالعشرات بل والمئات، بينما آخر أردف قائلاً: وهو يرتعش من شدة الخوف والفزع كورقة في مهب الريح ” الناس الذين هرعوا لمكان الحادث لإنقاذ الضحايا استهدفتهم إحدى الغارات أيضاً وأصبحوا الآن أشلاء وجثثاً متفحمة تحت الأنقاض” أحد المارة تقع عيناه فجأة على إحدى المقاتلات القادمة لتوها من الصحراء وبلاد القتلة والسفاحين فأومأ إلى آخر نحوها قائلا بلا مبالاة” لن تخيفنا طائراتكم وصورايخكم وأساطيلكم وغاراتكم أو تثنينا طرفة عين عن مقاومتكم حتى آخر رمق وإسقاط أقنعتكم المزيفة.
هذه المشاهد والفعاليات أصبحت من المشاهد اليومية الشائعة ليس في حارتنا فحسب وإنما في أرجاء الوطن بأكمله.
وفي المدينة تستقبل النسوة مواكب الشهداء القادمين من الميدان وأرض المعركة بالزغاريد والإيقاعات ليس بالعويل والنواح فيما يتبادى للناس خصوصاً أقارب وذوي الشهداء ليس عبارات العزاء والمواساة التقليدية وإنما عبارات التباهي والكبرياء والشموخ وكأن المناسبة عرس وليست لشهيد قادم لتوه محمول على الأعناق من الجبهة حتى أن أحد أقارب الشهداء همس في أذني قائلا: نحن لا ننعي شهداءنا وإنما نتباهى بهم وبتضحياتهم من أجل الوطن وكرامة أبنائه.
ومن المواقف الطريفة والمؤثرة التي لا زلت أتذكرها ولن تغادر مخيلتي لأحد الفتية في حارتنا وهو يحاور صاحبه ويشد على يده مودعاً بحرارة ويحاول أن يعدل بندقيته التي يتباهى بها وتتدلى كالوسام فوق كتفه قائلاً: قل مبروك غداً سأتوجه إلى الجبهة. وأنا أجول حارتي التي هي “حارة الشهداء” وفيها أعز الناس من أقارب وأسر الشهداء الذين هم أحياء عند ربهم يرزقون تقع عيني على كل تلك المشاهد والفعاليات أولا بأول فأحس في قرارة نفسي أن الدنيا لا تزال بخير والوطن أيضاً.. ترى كم يوجد من هؤلاء الرجال والفتية الذين صدقوا ما عاهدوا الله والوطن عليه ” فمنهم من قضى نحبه ومنعهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً”.