يخلق من الشبه أربعين
أشواق مهدي دومان
كأنها حقيقة باتت واقعية، فلربما كان المثل ينطبق ليس فقط على المتشابهين في خلقة الله، بل على أخلاقياتهم، وطبائعهم ،وربما تشابه عقلياتهم ،وجهوزيتها لتحليل وفهم التاريخ ،و ربطه بالواقع؛ أو بمعنى الاستفادة منه في غير هجر لمتغيرات العصر وضرورات الواقع التي لا تبيح المحظورات المتاجرة حد تنكيس أعلام الأوطان، بقصد أو دون قصد، بجهل أو بتجاهل، بحمق أو بتصنع الحمق ؛ لتمرير ما يمكن تمريره من هزيمة مقنعة للوطن مقابل شخصنة المصالح وحصرها في فرد أو قبيلة أو حزب ، وبهذا التصرف الأجرد من قيم الوطنية تباع الأوطان عبر تنازلات تلو تنازلات في غير استفادة من تاريخ العرب؛ ففلسطين أكبر وأقرب مشهد لمن تملكهم اليأس عن الدفاع عنها فقبلوا مفاوضات تلو مفاوضات وأسموها تسميات عدة فمرة مبادرة ومرة اتفاقية ومرة عهد ومع من؟ ؟
مع من لاعهد لهم، مع بني إسرائيل، من عراهم القرآن بخداعهم ،وغيهم ،وضلالهم، وقتلهم الأنبياء وتحدي المولى (عز وجل )، والأفتك بهم : كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، وبالمقابل كان محمد بن عبدالله (عليه وعلى آله أزكى الصلاة وأتم التسليم) وأمته خير أمة أخرجت للناس، بسبب ماذا؟ ؟
ليخبرنا القرآن موضحا لماذا كانت أمة محمد خير أمة أخرجت للناس في قوله (تعالى) : ” كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر “، وليس أمة تهرجون وتمرجون بالمعروف ، و تجملون المنكر، و تجرمون من نهاكم عن المنكر وتطلبونه للمحاكمة كأنه مذنب أو مجرم حرب قصف وعبث في هذا الوطن فسادا، وحاصر وأهلك الحرث والنسل،
فما هكذا نكون خير أمة، بل إننا بتجريم من ينهى عن منكر ويأمر بمعروف نقتفي أثر بني إسرائيل، وبهذا قد يحل علينا عقاب مقيم ،وقد يذيقنا الله بأس بعض، ونتشرذم فتاتا ولقمة يستسيغها المحتل، ونكون طعما سهلا ؛ ونحن الأشداء على الكفار الرحماء بيننا واجبا وشعورا بمسؤولية من ساروا على خطا الحبيب محمد ومن والاه، لأن المرء منا والجماعة والحزب و…الخ يتماهى تدريجيا مع من تحب و يقتدي و يتأسى به، ونحن أحفاد الأنصار ما ملنا على مدى التاريخ عن رسول الله وكتابه، وعن الحق وأهله.
نحن ما خنا ولا مددنا أيادينا لمصافحة مستعمر، بل كسرناها إلا في هذا العصر حين فر مرتزقة وارتموا في حضن المحتل يلهثون وراء هزيمتهم ويجرون أذيال خيبتهم…
فمن أراد اللحاق بهم فليلتحق دون عودة لثرى هذه الأرض الرافضة لتسليم أي شبر منها أو المساومة على نقطة من بحرها ، أو ذرة من ترابها، أو نسمة واحدة من هوائها ؛ ليلتحق بحلفهم ويبايع أولئك المنافقين والمحتلين، فهنا أرض طيبة تلفظ كل متآمر في سواد الليل أو في وضح الشمس، وأما نحن فسنثبت وقد انتصرنا وحققنا مالايتوقعه صديق أو عدو، و هو الله يشد أزر رجالنا الباذلين أرواحهم والصارخين في أرض الواقع : بالروح بالدم نفديك يايمن، يقولونها من ثبات أقدامهم على ثرى الطهور ومن فوهة بنادقهم في وجه الغازي وعملائه، لايقولونها وهم قابعون على مكاتبهم وفي حفلات انتخاباتهم، يقولها رجال الله في ساحات الشرف شعثا غبرا حفاة، لا يتقولونها في مقائلهم وعلى شاشات فيسبكهم، وهم متربعون على موائدهم جوار نسائهم وأبنائهم،
أفلا نمتلك قليلا من حياء يحترم دماءهم وجراحهم وأسرهم المشتاقة إليهم، بل أفلا ننصت – دون تشويش – لوقع انتصاراتهم وثباتهم التي تبقى لنا كلنا وأما هم فهم يمضون و هم على ثقة بأنهم المنتصرون ولكن عودتهم إلى من يحبون قد تحال و يتحول اللقاء إلى الله شهداء أحياء..
أفلا نستحي من شموخهم، ونبطل لعب العيال كأننا نلعب بلياردوا وكيرم وشطرنج …
ولا عجب في أولئك المتغابين، فهو يخلق من الشبه أربعين، ولربما شبهوا منجمي العصر العباسي الذين أرادوا خذلان المعتصم بن هارون الرشيد فأخبروه بأنه لو يخرج لعمورية ويقاتل الروم فسيهزم، فما كان من أبي تمام بعد تحقيق نصر العرب المسلمين على امبراطورية الروم إلا أن استهزئ بعقلية منجمي ذاك الزمان، الذين اسودت صفائح نصحهم وابيضت صحائف الرجال في ساحات المعارك انتصارات، فقال :
السيف أصدق أنباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لاسود الصحائف في
متنونهن جلاء الشك والريب
وبهذا أكتفي بالقول لمنجمي العصر:
كفوا عن بيع الأوطان ومنافذها باسم مبادرات،
كفوا عن تجريم الشرفاء،
وكونوا رجالا لمرة واحدة في أعماركم .