د. محمد النظاري
ما أن تبدأ وتنتهي أي بطولة محلية كانت أو إقليمية أو دولية في كرة القدم، إلا ويكون للأخطاء التحكيمية التي يرصدها الإعلام النصيب الأبرز من النقاش.
هل الإعلام بوسائله المختلفة هو من يتصيد أخطاء الحكام ويجعل منها قضية رأي عام؟! أم أن الأخطاء هي نفسها كبيرة وتسهم في تغيير نتيجة المباريات ؟ كما حدث مؤخرا في لقاء الريال والبايرن في إياب دوري أبطال أوروبا ،نهاية الأسبوع الماضي.
إن اختفاء الأخطاء التحكيمية نهائيا هو أمر غير منطقي، كون الحكام بشراً ويصدرون قراراتهم في أجزاء من الثانية، ولكن تقليلها وجعلها في الخانة التي لا تؤثر ولا تغير في النتيجة الآنية أو النهائية للمباريات، هو ما تسعى إليه لجان التحكيم في الفيفا والاتحادات القارية والوطنية.
من أجل مباريات قليلة الأخطاء في الجانب التحكيمي، سعت الفيفا إلى تطبيق تقنيات متعددة منها ما هو بشري بإضافة حكام إضافيين خلفي المرميين، ومنها ما هو تكنولوجي من خلال تقنية التواصل اللفظي بين الحكم ومساعديه، أو عبر الكرة الذكية التي تصدر إشارة للحكم أثناء عبورها خط المرمى – بين القائمين وتحت العارضة – أو بالسماح للحكام بالرجوع للفيديو للتأكد من صحة قراره المتخذ، وكذلك إضافة حكام في المنصة الداخلية للملعب يجلسون خلف شاشات ترصد كل منها زاوية مختلفة للقرار المعلن، لمساعدة الحكم على تصحيح قراره إن كان غير صحيح.
إن إدخال مثل هذه التقنيات اعتقد انه لا يمكن استخدامها إلا في البطولات الكبيرة أو في الدول الغنية، كونها مكلفة ولا تستطيع كل الدول توفيرها لارتفاع ثمنها، وبذلك أصبح للأغنياء دورياً يختلف عن دوري الفقراء، تحت ذريعة التقليل من الأخطاء التحكيمية.
رغم كل تلك الأساليب التي يتم استخدامها – غالية الثمن- إلا أن الأخطاء التحكيمية ما زالت تحدث، ومنها ما هو فادح، وهو الأمر الذي يؤكد بأن اللعبة بدأت تخرج عن إطارها العفوي، فالأخطاء غير المتعمدة هي جزء من اللعبة، كون كثير من القرارات يتخذها الحكم وفق تقديره وروح القانون، ولكن كل هذه التقنيات المساعدة أدخلت الحكم في ضغوط جديدة تؤثر عليه.
أرى بأن الإعلام ساهم في أن تصل قضية التحكيم إلى ما وصلت إليه، فمئات البرامج التحليلية التي ينشطها خبراء من الحكام المعتزلين، أوقفت نفسها على توضيح كل ما يقوم به الحكام داخل المباريات، وأضيف للحكم بذلك ضغط إعلامي جديد، يضاف لبقية وسائل الإعلام، إضافة لضغط اللاعبين والمدربين والجمهور. وتفكير الحكم بكل هؤلاء يجعله فريسة للوقوع في الأخطاء .
إن تطبيق القرارات الصارمة من قبل لجان التحكيم، بحق الحكام الذين يتسببون في تغيير نتائج المباريات بأخطائهم، سواء أكانت مقصودة أو غير مقصودة، كفيل بأن يجعل بقية الحكام أكثر تركيزا واقل أخطاء .
الكل أصبح اليوم بفضل الإعلام خبيرا تحكيميا، وأصبح الجميع يصدره حكمه على الحكام، فالمباريات أضحت لا تقاد من قبل الحكام داخل الملعب بل من قبل من هم جالسون في المدرجات أو على سر. نومهم في بيوتهم، وينسفون جهد الحكام في لحظة .
الإعلام والتحكيم عاملان من عوامل نجاح لعبة كرة القدم، ولا يمكن للتحكيم أن يبدع ويتطور إلا بمساندة الإعلام له، كذلك فإن بمقدور الإعلام أن ينهي مشوار أي حكم مهما بلغت مهارته وقدرته، ولهذا فان وقوف الإعلام إلى جانب الفرق والمنتخبات الكبيرة في تضخيم الأحداث، لا يخدم لا التحكيم ولا تلك الفرق والمنتخبات، فهو لن يغير في النتيجة بقدر ما يؤجج الصراع بينهم، وهذا ليس في خدمة لعبة كرة القدم .