القيادات القضائية.. العامل الأهم في إصلاح القضاء
محمد قاسم المتوكل
ما من شك أنّ إصلاح منظومة العدالة وتفعيل أجهزة القضاء للقيام بدورها بالشكل المطلوب من المعطيات التي لا غبار عليها، فإذا كان هذا الهدف هو من أهم ما يطمح إليه الشعب ويُؤمِّل فيه فإنّه أيضاً من أهم أهداف ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر المجيدة، وما خطاب قائد الثورة – ليلة إحياء الذكرى الثانية للصمود اليماني في وجه العدوان السعوصهيوأمريكي على بلادنا- وكذا توجّهات القيادة السياسية، وبرنامج حكومة الإنقاذ الوطني، واهتمام معالي وزير العدل، ومطالبات منظمات المجتمع المدني والسياسي بذلك إلاّ دليلٌ على أنّ هذه المؤسسة الهامة تحظى باهتمام جميع فئات الشعب ومكوناته السياسية؛ نظراً لأهمية دورها في تحقيق العدالة والحفاظ على حقوق وحريات وأمن واستقرار المجتمع.
وإذا كان بالأمس قد قيل بأنّ العدل أساس الملك فكذلك اليوم يُقال، وغداً وبعد الغد سيقال كذلك أيضاً، إلاّ أنّ المُتأمِّل جيّداً لهذه العبارة سيجد أنّها اختزلت مفهوم العدل حول جانب مُحدَّد من جوانب الحياة وهو الحكم “السلطة” وبمعنى أدق إنْ صحّ التعبير: نجاح ودوام واستمرارية الحكم، بيد أنّ الأعم والأشمل هو القول بأنّ العدل أساس الحكم وعمود الأمن والاستقرار وقاعدة البناء والحضارة وضمان الحقوق والحريات وعامل أساسي من عوامل السلم والسلام والتعايش وتحقيق المواطنة المتساوية.
ولا يختلف اثنان بأنّ وظيفة تحقيق العدل لا تقتصر على السلطان أو السلطة القضائية فحسب فمدلول العدل وترجمة معانيه على الواقع أمرٌ مطلوبٌ بل واجبٌ على كل إنسان في القول والفعل والعمل؛ شرعاً أو قانوناً أو عُرْفاً وفي شتى شئون الحياة ومختلف مجالاتها المتنوعة: السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، وكما يقول الإمام علي عليه السلام: “غاية العدل أنْ ينصف الإنسان من نفسه” ، إلاّ أنّ كتابتي في هذه السطور اقتصرت حول دور السلطة القضائية وبالأخص العنصر البشري فيها باعتبارها العنوان المقصود في تحقيق العدالة والضامن الرئيسي في الحفاظ على الحقوق والحريات، وحتى لا أسهب في توصيف الغايات والأهداف والثمار المُجتناة الناتجة عن إقامة القسط بين الناس كونها واضحة أمام الجميع واستنتاجات بديهية بالفطرة أحياناً فإني سأتحدّث بشكل مُختصر من وجهة نظر شخصية عن جزئية مهمّة أو نقطة واحدة من أهم النقاط المُؤثّرة في عملية إصلاح وتفعيل أجهزة الهيئات القضائية ألا وهي: حُسْن اختيار القيادات القضائية، وفي اعتقادي لا يتحقّق ذلك إلاّ بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب بعيداً عن المحسوبية والحزبية والانتماءات الضيّقة؛ ليكون الاختيار من الشخصيات الوطنية الكفؤة والمُؤهّلة والمشهود لها بالعلم والخِبْرة والنزاهة والصلاح، وبما يُعزِّز من استقلالية القضاء واستقلال القاضي؛ كون انتماء القاضي إلى سلطة مستقلة يكفل حُسْن سير العدالة ويضمن طابع الحيادية في أجهزة القضاء، ومن خلال تطبيق تلك المعايير في اختيار القيادات القضائية والقضاة ومعاونيهم سيؤدِّي القضاء وبالإمكانات المُتاحة وظيفته كما يجب؛ وبذلك سيتفعّل الأداء ويتحقّق العدل ويُحكم به، ويُقتصُّ من القاتل، ويُجرَّم الخائن والمرتزق والعميل وينال المجرمُ جزاءَه العادل، وتُقام الحدود، وتُحْفَظ الحقوق، وتُكْفَل الحريات، ويُؤدَّبُ السفيه والمنافق والمنتمي للطابور الخامس، ويُضْبَط المتلاعب، ويُحاسَب المخالف والمُقصِّر والمُفرِّط، وتُعالَج المشكلات وتُوضَع لها الحلول المناسبة…الخ مع التأكيد بأنّ الضمير المسؤول سيبقى هو المحك الحقيقي لإصلاح القضاء ونجاح هذه المؤسسة بكاملها.
وبكلِّ تأكيد – وبعيداً عن الكلام المثالي والتنظير غير القابل للتطبيق آناً وذِكْر تفاصيل التوجّهات والملامح الكبرى ومشاريع التطوير ومُواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية – فإنّه بتطبيق تلك المعايير في اختيار القيادات القضائية ستتحقّق كلّ تلك المشاريع، فقط سيتم القيام بالواجبات والبدء بالإصلاحات ذات الأولوية غير القابلة للتأخير بطبيعة المرحلة كتفعيل الأداء وسرعة الفصل في حقوق المواطنين وإنجاز قضاياهم، والقضاء على الفساد ومحاسبة المفسدين، ومحاكمة الخونة والعملاء والمعتدين والمجرمين في الداخل والخارج.
ومن باب الإنصاف وقول الحق أقول: إذا كانت اللجنة الثورية قد أجادت وحالفها التوفيق في اختيار بعض ذوي الكفاءات والخبرات فإنّ المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ الوطني قد أجادوا أيضاً وتوفقّوا بشكلٍ كبير وذلك باختيار وزيرٍ للعدل من أعلم وأكفأ قيادات القضاء شرعاً وقانوناً وإدارة، ونأمل من المجلس السياسي الأعلى تعيين المزيد أمثال هؤلاء الكفاءات القضائية الوطنية.
وفي الختام: لا يفوتني الإشارة إلى أنّ اليمانيين قد وصفهم من لا ينطق عن الهوى “صلى الله عليه وآله وسلم” بالإيمان والحكمة؛ ولذا فليس غريباً عليهم أنْ يكونوا في الغالب من أهل العدل وذوي الإنصاف، وهل يستقيم إيمان.
انٌ بلا عدالة وحكمةٌ بلا إنصاف؟! كلاّ فالإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان، والعدل يمان أيضاً، وما يجري لبلادنا اليوم من عدوان عالمي غاشم – من قِبَل أمريكا وإسرائيل وبريطانيا وحلفائهم من الداخل والخارج تحت غطاء ما يُسمّى بالتحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات – إنّما هو انتقام وحقد على الشعب اليمني بسبب عشقه للعدل ورفضه للظلم والطغيان والوصاية والهيمنة وأدوات العمالة والفساد، وها هم اليمانيون اليوم يؤكّدون للعالم مجدّداً بأنّهم شعبٌ يأبى الضيم والانكسار وأنْ لا وجود للتبعية والارتهان في قاموسهم ماضياً وحاضراً ومُستقبلاً؛ شعارهم على الدوام: سلمٌ لمن سالمنا وحربٌ لمن حاربنا، والله من وراء القصد.