هل تتورط واشنطن بقوات برية في اليمن ؟؟
بندر الهتار
العدوان على اليمن أمريكي سعودي، هو التوصيف الدقيق الذي أكد بأن لليمن قيادة وشعبا من الحكمة ما يكفي لفهم ذلك من الدقائق الأولى للعدوان قبل عامين.
كثيرون كانوا يعتقدون بأن أمريكا لم تكن مهتمة بالعدوان بقدر ما أتاحت المجال أمام السعودية لامتصاص الصدمة الكبيرة الذي أحدثه الاتفاق النووي مع إيران، وكنت ألمس ذلك من خلال لقاءات تلفزيونية كثيرة وأنا استضيف خبراء سياسيين وعسكريين عرب على شاشة المسيرة، حتى وصلت مع أحدهم ذات مرة إلى نقاش حاد وهو يحاول إقناعي بأن أمريكا ملّت من السعودية وسترغمها على الانسحاب من اليمن قبل عام 2017م.
التقيت هذه الأيام بأحد الخبراء العسكريين العرب، وقال لي بعد أن أنهينا لقاء تلفزيونيا بأن اليمنيين كانوا على مستوى عالٍ من الفهم والحكمة عندما قالوا بأن قرار العدوان أمريكي وأن السعودية والإمارات وغيرها مجرد أداوات تنفيذية برغم الهامش المتاح لهما بعد أن فقدت هيمنتها في اليمن، واستطرد في الكلام وهو يجزم بأن الحرب ستنتهي متى ما أرادت واشنطن ذلك وليس الرياض أو أبو ظبي.!!
هذه القناعة التي تغيرت عند هذا الخبير وعند كثير من المراقبين جاءت بعد ثبوت التورط الأمريكي بالأدلة الدامغة الواضحة بدءا من الدعم العسكري واللوجستي اللامحدود مرورا بالعودة المارينز إلى قاعدة العند وحضرموت وسقطرى، وليس انتهاء بالنفير الأمريكي في معركة السواحل الغربية، وكيف تحولت واشنطن إلى معني أساسي بكل ما له علاقة بهذه المعركة وخصوصا عند الحديث عن باب المندب، حتى باتت البيانات الأمريكية أكثر من السعودية والإماراتية في هذا الخصوص، ووسائل الإعلام العربية – لو تمعنتم قليلا – تحكي عن القلق الأمريكي أكثر من أي قلق آخر، وتبحث عن آرائهم وما يمكن أن يقدموا عليه من خطوات، وهذا بسبب بروز الدور الأمريكي في هذه المعركة بالتحديد.
يتزامن مع ما يجري في الساحل تحركات أمريكية في مناطق تسيطر عليها القاعدة وداعش، ليكفلوا بهذا التحرك المزدوج توفير مبررين ذات أهمية كبيرة لواشنطن، الأول مبرر حماية باب المندب، والثاني محاربة الإرهاب – الذي يقاتل تحت مظلتهم على امتداد الجغرافيا اليمنية – طمعا في احتلال السواحل الغربية وفي تثبيت قواعد عسكرية في مناطق الثروة النفطية والغاز.
والمشكلة في أساس العدوان أن كل ما خططت له الإدارة الأمريكية وما وفرته مع أدواتها في السعودية والإمارات من أسلحة وعتاد ومرتزقة وحصار وتجويع، وصل إلى طريق مسدود ونحن نقترب من اكتمال العام الثاني، لتبقى رهينة خيارات صعبة ومعقدة، فإما أن تستمر دون رؤية واضحة ونصر محتوم أو تنسحب بأقل قدر من المكاسب وأكبر قدر من الخسائر وتعلن انتصار اليمنين.!!
وهنا يبدو واضحا أن تحالف العدوان لا يزال مصرا على الخيار العسكري، مكثفا جهوده للسيطرة على كامل السواحل الغربية، وهذا باعتقادهم سيحقق لهم غايات كبيرة أهمها السيطرة على ميناء الحديدة المنفذ الوحيد للواردات من المشتقات النفطية والمواد الغذائية، وثانيها ضمان السيطرة الكاملة على باب المندب والجزر اليمنية بعد إزاحة الجيش واللجان الشعبية، وإذا توفر للعدو تحقيق هذا الانجاز فقد يعفيه – كما يعتقد – من عواقب فشله المتراكم لقرابة عامين.
قرابة شهرين منذ بدأت معركة السواحل وما حققته القوات الغازية من تقدم لا يذكر بحجم طول الساحل الغربي وبحجم الخسائر التي تكبدوها والفترة الزمنية، بل على العكس تماما فإن المناطق التي سيطروا عليها باتت تمثل نقطة استنزاف كبيرة ينبغي أن تعجل من فرارهم نتيجة تأثيرها على القوات والمعدات، وهذه نقطة تفرض المزيد من التريث.
وهنا وبالنظر إلى أمريكا المعني الأول بهذه المعركة فإنها تبدو مصرة على حسمها، ولكن بأي الوسائل وقد استنفدت أهمها لدعم السعودية والإمارات والمرتزقة من بوارج وطائرات وقنابل ذكية وحتى فسفورية وآلاف مؤلفة من المقاتلين من جنسيات مختلفة، فهل يبقى واردا خيار التدخل المباشر والدفع بقوات برية بمشاركة قوات من دول حلف الأطلسي.؟؟
هنا لا بد من الإشارة إلى البيانات الأمريكية الأخيرة التي تدعي وجود ألغام بحرية زرعها الجيش واللجان الشعبية بالقرب من باب المندب، وأن واشنطن تدرس كيفية تفادي هذه المشكلة التي تستهدف السفن التجارية حد زعمها، ومن بين الخيارات التي يروج لها إعلام العدوان هو تدخل عسكري دولي لحماية الملاحة، وهذا أمر مهم ينبغي التوقف عنده لمعرفة هل يمكنهم ذلك أم لا ؟؟
من السذاجة أن نعتقد بأن أمريكا أو أي دولة أجنبية أخرى لن تتدخل عسكريا في اليمن تحت أي ذريعة، لأن هذه الاعتقادات حينما تفاجئُنا وقد أدرنا لها الظهر ستكون أشبه بطعنة الغدر، ولنا في بداية العدوان درس كاف.!
أمريكا ترى بأن باب المندب يعنيها عسكريا وسياسيا واقتصاديا، حتى ” إسرائيل ” التي تلتزم أمريكا بحمايتها ترى بأن بقاء الجيش واللجان الشعبية في باب المندب خطر وجودي عليها، وكان هذا أهم الأسباب التي دفعت الكيان للمشاركة المباشرة في العدوان وتقديم خبراتها في معركة السواحل المستمرة حتى الآن، وهنا نتوقف عند شهادة السيد حسن نصر الله بأن القيادة اليمنية كان لها السبق في تشخيص التورط الإسرائيلي كما شخصت قبل ذلك التورط الأمريكي.
قد تبحث الأداة الأمريكية عن حجج تقنع بها روسيا والصين بضرورة استصدار قرار من مجلس الأمن يشرعن لتدخل عسكري دولي محدود للسيطرة على السواحل الغربية، وإذا كانت هذه الطريق معقدة فلا نستبعد أن تلجأ أمريكا مع شركائها البريطانيين والفرنسين لتنفيذ عمليات محدودة النطاق وبقوات خاصة للسيطرة على مواقع مهمة تمهيدا لمعركة الحديدة، وهنا ستثار أسئلة أخرى:
ما الذي وفرته أمريكا لنفسها بعد أن استخدمت كل أسلحة الدمار والفتك، وهل ستغامر بقواتها البرية وهي تدرك أنه مهمتهم لن تكون سهلة وستكون الكلفة باهظة جدا، علاوة على أن المرتزقة يوفرون عليها الجهد والقتل والدماء…الخ؟؟؟
كلها أسئلة منطقية، ولكن ما يجب علينا إدراكه أن نضع في حساباتنا أسوأ الاحتمالات فهو الطريق الأكثر أمنا وسلامة وتحصينا لليمن وشعبه، وفي النهاية لن يحتمل الأمريكان صبر وجلَدَ اليمنيين إذا ما قرروا الغرق في هذه المستنقع.