“الحرب على حزب الله …والمغامرة الأولى لنتنياهو – ترامب !؟”
هشام الهبيشان
تزامناً مع الوقت الذي بدأ الإعلام الصهيوني بتهيئة الداخل الصهيوني للمواجهة المقبلة مع حزب الله، والمتمثل ببرامج إخبارية وسياسية بدأت تبث بشكل كبير على محطات التلفزة الصهيونية تتحدث جلها عن تهديد الصواريخ التي يملكها حزب الله من ناحية العدد والمدى والدقة، وتتحدث أيضاً عن خطورة نقل السلاح إلى حزب الله من إيران ومن سوريا، وتتحدث أيضاً وبشكل علني عن قدرة المنظومة الصاروخية التي يملكها الحزب على إلحاق ضرر جسيم بالسكان وبالبنى التحتية والعسكرية للكيان الصهيوني. والمطلوب حسب وسائل الإعلام الصهيونية التي تعمل بغطاء سياسي وعسكري صهيوني لتوجيه الرأي العام الصهيوني نحو “تأييد خيار الذهاب نحو عدوان على لبنان لردع حزب الله عن استخدام قدرته الصاروخية والعمل على تعطيل مخزون حزب الله من الصواريخ”.
وفي الوقت الذي كشفت فيه قيادة الجبهة الداخلية في جيش العدو الصهيوني، أنّ حزب الله قادر خلال الحرب المقبلة على إطلاق ما بين 1000 و1500 صاروخ يومياً باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتأتي هذه التصريحات والتحليلات في الوقت الذي تستمرّ فيه المناورات الخاصّة التي يقوم بها جيش العدو الصهيوني سراً وعلناً في منطقة الجولان السوري المحتلّ، وهي مناورات تحاكي احتلال قرية نموذجية في جنوب لبنان، ويأتي كلّ ذلك في إطار السيناريوهات التي يرسمها الجيش الصهيوني للحرب المقبلة مع حزب الله، ومن ضمنها الدخول البري إلى لبنان. هذه التفاصيل بمجملها تؤكد بما لا يقطع الشكّ بأنّ قادة الكيان الصهيوني بدأوا بالفعل رسم سيناريوهات الحرب المقبلة مع المقاومة.
وبقراءة موضوعية لما جاء في الإعلام الصهيوني الذي يعكس بالضرورة الصدى الحقيقي لما يُحاك داخل دوائر صنع القرار الصهيوني، يبدو أنّ الكيان الصهيوي بدأ يعدّ لحرب كبيرة ستفرض وجودها بقوة على الإقليم المضطرب في شكل كامل، ويلاحظ جميع المتابعين لتداخلات وتقاطعات الفوضى في الإقليم ومسار تحركات الأهداف «الصهيونية» في الإقليم ككلّ، أنّ لدى «الصهاينة» رغبة جامحة في التحرك عسكرياً باتجاه فرض حرب جديدة في المنطقة، وخصوصاً بعد فشلهم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية لعملية «الجرف الصامد» الأخيرة في غزة، ومحاولة الهروب من تداعيات أي انتفاضة فلسطينية مقبلة بالضفة، من هذا المنطلق، يتوقع غالبية المتابعين أن تكون أولى مغامرات نتنياهو- ترامب المقبلة هي القيام بعمل عسكري ضدّ حزب الله، ومن المتوقع أن يدعم نتنياهو بهذا المسعى الجديد نخبة كبيرة من قادة الرأي «الإسرائيليين» وبعض الساسة وعدد كبير من جنرالات الجيش، بالإضافة إلى دعم واشنطن وباريس وحلفائهم في المنطقة لخوض هذه الحرب ضدّ المقاومة.
ومن هنا، فإنّ متابعة تصريحات وزراء وقاده أمنيّين صهاينة وجميع هذه التصريحات والتحليلات والسيناريوهات تصبّ في خانة التحرك شمالاً باتجاة ضرب منظومة المقاومة العسكرية واللوجستية، ومن هنا يبدو واضحاً أنّ الإسرائيليين قد بدأوا بالفعل التحضير ورسم سيناريوهات المعركة المقبلة مع حزب الله، لكنهم، على ما يبدو، ينتظرون إعلان الساعة الصفر من واشنطن لبدء المعركة.
في ظلّ الحديث عن دور واشنطن في هذه الحرب المتوقعة، كتكرار لنموذج حرب تموز 2006م، تركّزت التقارير العسكرية والسياسية الأمريكية في الأشهر والأسابيع والأيام القليلة الماضية، على تعاظم قوة حزب الله. وتشير هذه التقارير إلى أنّ تعاظم قوة حزب الله النارية والعسكرية تعدّ نكسة كبيرة للمشروع الرامي إلى إعادة رسم موازين ومواقع القوى في المنطقة، فلوجستية الحزب العالية وقوة الردع العالية التي يملكها مقاتلو الحزب، والمخزون الهائل من السلاح المتطور الذي يملكه الحزب، سوف تؤدّي بمجموعها إلى إحداث تغيير جذري في الخارطة العسكرية لأطراف الصراع في المنطقة. والمقصود بأطراف الصراع وفقاً للمقصد الأمريكي، قوى المقاومة من جهة، و«إسرائيل» وأدواتها في المنطقة العربية، من جهة أخرى.
من خلال هذه التقارير نستنتج أنّ قادة وصنّاع الرأي والقرار الأمريكي بدأوا يدركون أكثر من أيّ وقت مضى أنّ مشروعهم الأكبر الرامي إلى تعظيم قوة «إسرائيل» في المنطقة بدأ يواجه خطراً وجودياً منذ هزيمة تموز 2006م، وبعد الهزيمة الكبرى التي مُنيت بها «إسرائيل» في معركة «الجرف الصامد» في غزة، وبعد التدخل الروسي في المنطقة، لهذا تسعى دوائر صنع القرار الأمريكي إلى دفع «إسرائيل» نحو حرب جديدة في المنطقة لعلها تستطيع استعادة جزء من هيبتها في الإقليم بعد هزائمها المتلاحقة منذ عام 2000م وحتى اليوم.
بالعودة إلى دوائر صنع القرار الصهيوني، فقد أصدرت تل أبيب مؤخراً مجموعة من التقارير العسكرية الاستخباراتية أعدّتها مجموعة من كبار القادة العسكريين «الإسرائيليين»، وتشير هذه التقارير إلى «أنّ قدرة حزب الله اللوجستية وقوة الردع، لدى الحزب قد تحدثان تغييراً كبيراً في موازين القوى بين أطراف الصراع في المنطقة.
أما حزب الله، فهو متيقّن من حتمية المواجهة المؤجلة منذ زمن مع «الإسرائيليين»، ولكن هذه المرة ستكون المواجهة مختلفة، فالهدف من وراء الحرب الصهيونية المتوقعة هو ضرب وشلّ القدرات اللوجستية والعسكرية للحزب، وهذا لا يخفي حقيقة وجود دعم إقليمي ـ عربي ـ دولي من الدول الشريكة علناً في الحرب على قوى المقاومة في المنطقة من أجل تصفية الحزب عسكرياً. وهذا ما تؤكده دوائر صنع القرار الأمريكي في شكل دائم، باعثة رسائل طمأنة لـ «إسرائيل» مضمونها «أنّ حربك المستقبلية مع حزب الله، ستثير ردود فعل إقليمية وعربية مؤيدة.
ختاماً، يبدو واضحاً أنّ «الإسرائيليين» وأدواتهم في المنطقة وداعميهم في الغرب، مصمّمون أكثر من أيّ وقت مضى على إعلان قريب لبداية الحرب على حزب الله، مستغلين فوضى الإقليم، فبعد أن تمّت شيطنة الحزب إعلامياً، تزامناً مع الرهانات الكبرى على مدى قدرة الحزب على الصمود في المواجهات الكبرى. هناك قناعة شاملة عند الكثير من المتابعين لمسيرة الحزب التاريخية، بأنّ الحزب وبما يملكه من قوة ردع نارية عسكرية وبشرية، والأهمّ من ذلك عمق التحالفات مع بعض قوى الإقليم، مؤهّل للتصدّي ولردع أي عدوان، ولتحقيق المزيد من الانتصارات النوعية على طريق إزالة الكيان الصهيوني من الوجود.
*كاتب وناشط سياسي- الأردن.
hesham.habeshan@yahooo.com