بعد ارتداد العملية العسكرية الضخمة “الرمح الذهبي” إلى صدور أصحابها، وبالتالي فشل الوكيل، يبدو أن الأمور تتّجه نحو الأصيل الأمريكي الذي لا أصل له.
لم يكن استهداف البارجة العسكرية السعودية “المدينة” في عرض البحر الأحمر أمراً طبيعيّاً حيث شكّلت هذه الضربة النوعيّة علامة فارقة جديدة في العدوان السعودي على اليمن. السعودية التي خسرت إحدى بوارجها الخمس، المجهّزة بصواريخ بعيدة وقريبة المدى وكانت تحمل على متنها 176 ضابطا وجنديا سعوديا، ومروحية عسكرية، سارعت للرد على طريقتها عبر استهداف قوارب الصيادين على الساحل اليمني ما أدى إلى سقوط أكثر من ستّة شهداء، وذلك بعد ادعائها أن العملية نفّذت بزوارق سريعة، لتفضح الرواية اليمنية وبالدليل القاطع الرواية السعوديّة.
لكن الرياض التي خسرت سفينتين حربيتين قبل عدّة أشهر في مياه مضيق باب المندب وتحديداً مقابل مدينة “المخا” التابعة لمحافظة تعز جنوب اليمن، عمدت هذه المرّة إلى اللجوء مجدداً للطرف الأمريكي الذي أرسل يوم الجمعة الماضي مدمرة حربية (كول) من البحرية الأمريكية إلى قبالة السواحل اليمنية تحت ذريعة حماية الملاحة في البحر الأحمر حيث ستنفذ دوريات وترافق السفن.
لا شكّ في أن أمن الملاحة في البحر الأحمر هو مطلب يمني قبل أن يكون سعوديّاً أو أمريكياً، فالشاطئ الممتد، من ميدي وحتى المهرة في أقصى الشرق هو رئة الحياة اليمنية، ولكن هذه الذريعة تهدف للحؤول دون أي ردّ يمني على الطرف الآخر، وهنا نسأل: أين كانت المدمّرة الأمريكية خلال قصف البارجة السعودية للأراضي اليمنية؟ وهل أمن الملاحة الدولية يمر عبر السيادة اليمنيّة ومياهها الإقليمية، أم أن هذا الأمر يتعلّق بالمياه الدوليّة؟
إن الحضور العسكري للأسطول الأمريكي الخامس، يحمل جملة من الأهداف والدلالات، ومن هذه الأهداف ما يلي:
أوّلاً: إن الدخول الأمريكي الذي يسعى لتأزيم الواقع اليمني لأسباب اقتصاديّة تتعلّق بالصفقات العسكرية مع دول الخليج ، وعسكرية تتعلّق بالمواجهة القائمة مع إيران، ما يؤكد أن المشروع الأمريكي في المنطقة هو التفريق والتمزيق. في الحقيقة، إن أحد أبرز أسباب الدخول الأمريكية إلى باب المندب مجدّداً هي محاولة السيطرة على هذا المضيق الاستراتيجي تحت ذريعة حماية الملاحة الدوليّة.
ثانياً: يبدو التناقض الأمريكي واضحاً، ففي حين ترفع واشنطن شعار مكافحة الإرهاب، تركّز اليوم على محاصرة الساحل اليمني غافلةً عن حضور القاعدة في خليج عدن في المكلّا وحضرموت. يبدو أن الرياض التي تسبّبت بتعزيز دور القاعدة في اليمن عبر عدوانها، تعيد الكرّة مرّة أخرى عبر إلهاء الجانب الأمريكي بحركة أنصار الله وليس تنظيم القاعدة الإرهابي. في حين أن واشنطن تتغافل عن كافّة المطالبات الدوليّة بوقف العدوان في ظل وجود أكثر من 2.2 مليون طفل جائع في هذا البلد.
ثالثاً: لا نستبعد أن تلجأ السعودية عبر بعض مرتزقتها سواءً السودانيين أم الجنوبيين لإيجاد سيناريو استهداف المدمّرة الأمريكية بصواريخ “لن تصلها” بغية إقحام المدمّرة كول بشكل مباشر في المواجهة، لاسيّما أن هذه الخطوة ستثلج قلب الرئيس الأمريكي المتهوّر دونالد ترامب، خاصّة بعد قرار الهجرة الذي أثار ضجّة في الأوساط الأمريكية والدوليّة. بعبارة أخرى، سيستفيد ترامب من أي محاولة مماثلة في استهداف “كول” لتبرير قرار الهجرة، وتحديداً في سياق المواجهة مع إيران، خاصّة بعد العقوبات التي فرضها بالأمس.
رابعاً: يرتبط الحضور الأمريكي هناك بما هو أبعد من السعودية ، ويأتي في سياق المواجهة من اللاعبين الثلاث الكبار في وجه أمريكا روسيا الصين وإيران. محاولة السيطرة الأمريكية على هذا الممر الاستراتيجي تأتي بعد أيّام على حضور الأسطول الصيني الذي تربطه علاقات متوتّرة في الأسطول الأمريكي في بحر الصين الجنوبي.
عزل اليمن
تتلخّص الخطوات الأخيرة، السعوديّة منها والأمريكية، في محاولة عزل اليمن تحت ذريعة حماية الملاحة لهذا الممر المائي، رغم أن استهداف البحرية اليمنية للبوارج العسكرية بدءاً من السعودية مروراً بالإماراتيّة ووصولاً إلى العملية الأخير، جاءت ردّاً على قصف هذه البوارج للمدن اليمنيّة وإلحاق الأذى بالمدنيين.
أثبت الجيش اليمني حتّى الساعة جزءاً يسيراً من قوّة الردع البحرية، وفق مصدر عسكري يمني، ففي حين تؤكد مصادر امتلاك البحرية اليمنية لصواريخ بعيدة المدى من طراز “سانبيرن”، توضح أخرى أن الجيش بات يمتلك ما هو أبعد من ذلك، في إشارة إلى صواريخ “ياخونت” المضادّة للسفن والتي تعدّ إحدى التهديدات الكبيرة للسعوديّة والإمارات وأمريكا، على حدّ سواء.
عوداً على بدء، نكرّر مجدداً على مسامع الرياض ما ذكرناه منذ اليوم الأول للعدوان، أن صنعاء عصيّة على الغزاة، والحديدة اليوم هي صنعاء جديدة لن تسقط، حتى لو تمّ تدمير مرفأها. نذكّرهم أيضاً بما قاله أكاديمي بريطاني قبل أيام في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة لندن (LSE) أن كل القوّات والامبراطوريات التي غزت اليمن منذ ثلاثة آلاف عام خرجت “غير منتصرة”، وهذا الأمر لن يكون عن العدوان السعودي ببعيد.
* عن موقع الوقت التحليلي