“شيئاً” من سيرتي مع (غاندي اليمن)

 

الثورة نت/زيد الفقيه

قد يتساءل أهل اللغة عن نصب شيء في بداية جملة العنوان ، أقول : هي مفعول به لفعل محذوف تقديره أكتبُ والفاعل ضمير مستتر فيه تقديره أنا، هذا التوضيح قبسٌ مما تعلمناه من فقيدنا الشاعر الأستاذ/ أحمد قاسم دماج.
كانت أول معرفة لي بالفقيد في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي في مدينة إب ، حين كنت متوجها إلى مدينة زبيد برفقة الباحث خالد بن محمد القاسمي من دولة الإمارات العربية ، كنا قد حللنا ضيوفاً على محافظ المحافظة آن ذاك الأخ الفاضل الأستاذ/ صالح عباد الخولاني ، تناولنا طعام الغداء سوياً، وفي القيلولة تجاذبنا أطراف الحديث عن الأدب والشعر والتاريخ ، كان فقيدنا يتجلَّى وهو يردد أبياتاً لامرئ القيس ، والمتنبي ، والزبيري ، والمقالح، والبردوني والمطاع،سحلول والحضراني، والارياني، وأبي تمام، وشوقي، والسياب، والبياتي، وغيرهم في مضان حديثه عن الأدب في عصوره المختلفة ، وعن شعراء الثورة اليمنية ،كان الشعرُ يتقطَّرُ من فيه عذباً زلالاً ، وكان الحضور يصغون إليه كتلاميذ يصغون لفقيه يتلو عليهم آيٍ من الكتاب المقدس .
في اليوم التالي خرجنا في نزهة إلى ضواحي المدينة في اتجاه حصن التعكر ، كان الأستاذ يشرح لنا الأماكن بتفاصيلها وأحداثها التاريخية ، كأنه مرشد سياحي من الطراز الرفيع والفريد. كنا دهشين لما نراه وما نسمعه، كان القاسمي يعض أصابع الندم أنه يذهب لنزهة في أوروبا ولم يأتِ إلى اليمن، كانت المدرجات الزراعية قد ضربت أطنابها في أعماقه وأسرت لبَّه لأن في الامارات لا يرى إلا صحراء وفي أوروبا يرى مسطحات خُضر لا مدارج فيها .
توجهنا عند الحادية عشرة إلى مدينة تعز لتناول طعام الغداء فيها بضيافة المحافظ؛ محسن اليوسفي، تناولنا الغداء في المنتزه، وبعد الغداء تفكهنا مع تناول الشاي، ومن ثمَّ انطلقنا بعدها إلى زبيد .
تقطعت بيننا السبل بعدها مع دراستي الجامعية، حتى تعينت مديراً لدار الكتب وبيت الثقافة، حين كان يروق للأستاذ الجلوس بعد العصر مع ابنه مروان كل يوم في حديقة بيت الثقافة كنت ـ حين أراهما ـ أترك مكتبي وآخذ مكاني بينهما معظم أيام الأسبوع، لنتجاذب أطراف الحديث اللغة والأدب والحياة ماضيها وحاضرها ومستقبلها في اليمن، حين كنت أسأل عن حاله كان يجيب بعبارة واحدة : (أكثر من كذا بطرة)، في بداية الأمر كنت أعتقد أن العبارة تشي بالإيجاب فأرد الحمد لله على نية انه مسرور بقول هذه العبارة، لم أكتشف سلبيتها إلا عام 2011م حين كانت أصوات القذائف تصك آذان الناس، وحين أساله عن حاله يجيب بنفس العبارة ويزيدها 🙁 بطرة البطرة) حنئذٍ أدركت أنه كان يذهب بتلك العبارة إلى مدلولها السلبي للتعبر عن سوء أوضاع البلد، وكنت أتمنى أن أجده بعد ذلك لأعرف ماهي الكلمة التي كان سيضيفها إلى عبارته الشهيرة تلك، لكنه بعد العدوان لم يبرح منزله وشغلتنا الحياة والحرب عن زيارته وكتبنا عند الله من المقصرين .
رحم الله (غاندي) اليمن الاستاذ/أحمد قاسم دماج وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون .

قد يعجبك ايضا