لا تفرحوهم !
إبراهيم الحكيم
عجبت لمن يحدث أسبابا للمهاترات ويؤجج المناكفات بين مكونات جبهة الصمود الوطني، ولمن ينجر لهذه المماحكات حد المكايدات، بينما الجميع شركاء في المسير وشركاء في المصير، مستهدفون بكل حقد من عدو على الأبواب، يشن عدوانا غاشما وحصارا ظالما جوا وبرا وبحرا، يستهدف إبادتهم جميعهم بلا استثناء لأي منهم!!.
هذه المهاترات تأخذ طابع الترصد والتربص من بعض ناشطي كل طرف لأخطاء الطرف الاخر، وبين إشهار الأخطاء بدافع النقد والتقويم أو الكيد والتقطيم، وإنكار وجود الأخطاء كليا والرد بهجوم مضاد يستدعي ما مضى من خلافات ويذكي ما توارى من اختلافات؛ يصبح الوطن على كف عفريت، منشغلا في ما يخدم العدوان ويفرحه لا في ما يهزمه!!.
تتمحور هذه المهاترات في الفساد المالي والإداري. وفعليا ليس المهم من أي طرف هو الفاسد أو المخالف أو المتجاوز للقانون إداريا أو ماليا، فمختلف الأطراف تشترك ضمنيا في الإقرار (قيادات وإعلاميين وناشطين) بوجود فساد وفاسدين، تحسبه وتحسبهم على كل منها .. ما يهمني والسواد الأعظم: ماذا فعلت إذاً هذه الأطراف تجاه هذا الفساد وهؤلاء الفاسدين ؟!.
الواجب إذا يحتم على جميع مكونات جبهة الصمود الوطني، ألا يتهاتروا أو يتناكفوا، حتى لا يؤمنوا الحماية للفاسدين أو المخالفين للقوانين النافذة ولوائحها الناظمة، وتبعا الدوام للفساد، ويكونون جميعهم مفسدين من حيث لا يعلمون أو يقصدون. بل عليهم أن يقولوا بكل صدق لكل خطأ هذا خطأ ويتصدوا بكل حزم لكل تجاوز ينذر بانحراف عن المسار المرسوم والمتفق عليه.
الأخطاء .. الهفوات .. الزلات .. التجاوزات .. المخالفات .. الكبوات .. العثرات .. تظل واردة مثلما تبقى استثناءات عن القاعدة العامة الواجبة، تؤكد شذوذها ولا تنفي القاعدة العامة السوية، وهي طبعا مرفوضة لزاما من جميع الأطراف وقد تعذر من الجميع، فقط إذا جرى تلافيها أولا فأول، وليس إنكارها أو تبريرها أو المكابرة حيالها .. مثل هذا لا يعذر أو يبرر مطلقا !.
لا يعنيني “أنصار الله” ولا المؤتمر الشعبي .. أيا كانت الأخطاء أو المطالب لدينا سلطة جامعة ممثلة في مجلس سياسي وحكومة إنقاذ، وحدهما المسؤولان أمامنا : نجاحا واخفاقا، نقدا وإشادة. المطلوب هنا أن ندع الشخوص جانبا ولا نقف عندها أبدا وننتقد فقط الأخطاء أفعالا أو أقوالا أينما وجدت ومن أي طرف كانت، وأن يكون النقد عن يقين لا تخمين، وبتجرد ينشد التصحيح لا التجريح.
تعيين هنا وآخر هناك .. أين المشكلة؟! فليكن التعيين مادام وفق القانون ولوائحه ليحقق الغاية والمصلحة العامة ويلجم الأفواه؟! .. المشكلة ليست في شخص من يعيَّن أو المعِيّن ولا من أي طرف هو أو محسوب على من .. أبدا بل في أن أي إجراء أو تعيين يتجاوز القوانين ضوء أخضر للمعين بتجاوز القوانين في موقعه .. تلك إحدى أوجه مغبة تجاوز النظام في أي زمان ومكان .. استيلاد الفوضى !!
يتعين على جميع المكونات الوطنية، حلفاء التصدي للعدوان وأهدافه وشركاء إدارة معركة الوطن المصيرية، التزام اتفاقاتها والذوبان في كيان واحد اسمه اليمن، وأن تعين أكفاء خلصاء، معينين على إنجاز مهام تجاوز التحديات، لا أدعياء غرماء معيقين لإنجاز المهام، يكونون في ذاتهم تحديات إضافية ! .. البلاد فيها ما يكفي ولا تنقصها أخطاء أو أعباء من أي نوع، وتجارب المجاملة والمكابرة والمقامرة، وخيمة يرحمكم الله.
وعندما ينصح بالتزام الدستور والقوانين والنظام، لا يقصد به طرف بعينه بل الجميع. الالتزام منجاة للجميع وتسديد لخطاهم على طريق هدف مشترك للجميع هو التصدي للعدوان وآثار حصاره والصمود بوجه مخططاته ومراميه الخبيثة والانتصار لسيادة الوطن واستقلال قراره وإرادة شعبه الحرة وحقه في العيش بحرية وكرامة وعدالة وكفاية لا تذله أو تخضعه لهوان التبعية ومهانة الوصاية الخارجية.
شئنا أم أبينا .. نحن الآن في خلاط قسري يعصف بالجميع ويريد تفتيتهم، ولا سبيل أمامنا أو خيار متاح للنجاة عدا الذوبان الكلي في كيان متحد ومكان واحد وهدف أوحد هو اليمن الحر المستقل كامل السيادة .. وكل ما دون ذلك نشوز وعدامة وخيانة .. ينبغي أن يكون هذا واضحا للجميع وإدراكه مجسدا قولا وعملا، وعيا وسلوكا.
المرحلة الراهنة مرحلة انصهار مجتمعي في خندق التصدي لعدوان غاشم وحصار ظالم يستهدف الجميع، قتلا وجرحا وتشريدا وتجويعا وإخضاعا وتركيعا .. الحديث عن فضل أو عطل لمكون “أنصار الله” أو “المؤتمر الشعبي” عبث يجانب الصواب، وادعاء يجافي الواقع، وافتراء يتجنى على الحقيقة، ودس ينخر صلابة الخندق، وينشد دكه لصالح العدو المشترك ومراميه.
الجميع مدنيين وإداريين وأمنيين وعسكريين يجاهدون في صراع البقاء والعيش بحرية وكرامة وعزة واستقلال سيادة وإرادة .. كل اليمنيين في معركة مصيرية مع أسباب الفناء، ولا يقتصر الصمود والتضحية على ما يسطره أبطال الجيش واللجان الشعبية من ملاحم بطولية في الشجاعة والإباء والفداء تؤكدها الأخبار المصورة من جميع جبهات الدفاع عن اليمن.
هذه الملاحم العسكرية تشترك سواء بسواء مع الملاحم الشعبية والمدنية في معركة واحدة تقرر مصير وطن وشعب، وبشائرها منذ 22 شهرا وحتى الآن تؤكد أن الحق غالب والله ناصره، وأن تحالف عدوان 18 دولة من أغنى وأعتى الدول هزم ولا يزال عسكريا واقتصاديا وإعلاميا وسياسيا.. فلماذا نتيح له بوارق أمل في انتصار محتمل ؟!!.
alhakeem00@gmail.com