تحقيق/ رند الأديمي
أتى البرد وتاليه كل الفصول، ليعيدهم إلى الحنين، إلى أجدرة المنزل وحاراتهم الصغيرة.. من هم؟ مواطنون من اليمن بسطاء لا ناقة لهم ولا جمل..الآن أين هم؟..
البعض ينام في دكان صغير والبعض يتزاحم في سراديب صغيرة في المدارس والبعض ينتظر في أرصفة الأمل..!!
قُتل جاري فحملت وجعي ورحلت
طافت عدسة قلمنا فوجدناه هنالك شابا لايتجاوز الثلاثين من عمره يزاحم في تلك المديرية على المأونات الإغاثية..،
استوقفناه قليلا لنسأله: من أنت؟ ومن أين أنت؟!..
:عبده سعيد الشرعبي من محافظة تعز، هربنا بعد أن قصفت صواريخ سلمان مفرق شرعب التي حولت التاكسيات والمواطنين إلى جنازات متزاحمة..، جاري مطهر الشميري انقسم نصفين ولم نجده، وبعد هذا الموقف تركت تعز وتركت شرعب لآوي ببيت صغير في صنعاء..، تركت عيوني في شارعي وفؤادي معلق عند بستان المنزل الذي دكته عاصفة الحزم دكا “.
صرخة من قلب تعز
“أم علاء” إمرأة مسنة أثارنا ظهرها المقوس، لنعيث في دفاتر ذاكرتها وبين مقلتيها الدامعتين ويديها اللتين كانتا تجمعنا به في نفس الطاولة..، كانت هنالك الحكاية..، بدأت فضفضتها قائلة:” أنا من المركزي، تلك المنطقة التي تسيطر عليها المقاومة، سنتان ونحن نتنظر ثمة سحابة ممطرة تغسل المدينة من الدم لنكتشف بعد حين أن من يتعدى حمايتنا هو حراميها ولنكتشف بعد أننا لن نجني من ما كنا نظنها مقاومة إلا أوازراً من الدماء،
فرحلت..، نعم رحلت..، برغم أنني بتلك المناطق المحررة من الحوثي وصالح..، رحلت تاركة بيتي الصغير وشارعي لهم..، والآن أين أنا؟!.. في مدرسة “ن” أبحث عن مأوى بعد أن أصبحت تعز مأوى للضباع”.
عملاء السعودية
وطافت عدسة قلوبنا وأقلامنا عند هذا الشيخ المسن في نفس المديرية استوقفنا صراخه وهو يندد بغضب وبلهجة بدوية..، استوقفناه متسائلين:
ما الأسم ومن أين أنت؟… لتأتي الأجابة على لسانه:
“أنا من مارب..، تلك البلاد التي لم تقبل أي عميل..، جاء العملاء ليحرورنا من بيوتنا وسبقتها صواريخ سلمان قتلوا مواشينا وقتلوا جيراننا وقتلوا أخي وقالوا سنحرركم..، كيف سيحررونا من بيوتنا ومزارعنا؟!.. صواريخ من السماء وقذائف من الأرض “حسبنا الله” كله لأننا لم نقبل الوصاية ولن نرضخ للعدو ولا الدواعش”.
وأخيرا قال لنا: ” العدوان اليهودي بن اليهودي والله لن يركعنا بل سنركعه”.
ياهارب من الموت يا ملاقيه
وجدنا في مديرية ما إمرأة تحمل طفلين..، هي لم تنطق، بل كانت الهموم تنطق من خلف نقابها..، هي لم تبك ولكن تسارع الدمع لإسعافها.. وقالت:
نزحنا من ضحيان صعدة..، كانت الصواريخ لاتفارقنا من أول الصبح حتى آخره، وإن تواجدنا في منزلنا الصغير ليلا لابد أن نطفي الأضواء، حتى ضوء الشمعة لأن، الطائرة تتبع ذلك الضوء وتقصفه..، الطائرات قصفت الطرق والمستشفيات والمدارس والبيوت ولم يبق احد..، هربنا إلى ذمار وما هي إلا يومين لتقصف الطائرات أعراس وعزاء ولممنا حاجياتنا أنا وأسرتي الصغيرة ونزحنا إلى صنعاء في نواحي عطان لتقصف الطائرة قصف شرس، والآن نحن هنا في سعوان في دكان صغير لا باب له غير نصف ستارة بالية وببقايا مؤنة وببقايا انتظار نحن نعيش”.
أرحموا عزيز قوم ذل
وأخيرا ختامها صعدة تلك المدينة التي لا إجازة لها من الموت..،
كان هنالك رجل بانت من ملامحه الوجاهة، كان واقفا بعزة وعنفوان، وعندما سألناه ما مشكلتك ومن أنت؟ اعتذر كثيرا عن الجواب قائلاً: ارحموا “عزيز قوم ذل “..، وبعد رجاء منا أرخى ستار قصته المؤلمة رافضاً إعطاء اسمه لنا قائلاً:
يشهد الله أننا لسنا من أنصار الله ولسنا مع أي حزب..، نحن بشر عاديين نملك من المزارع ونملك من المواشي ونحن شيوخ تلك القرية القصف لم يستثن حتى الطماطم ولا البقل، القصف يقتلنا ويقتل من يهرع لإنقاذنا والمستشفيات قصفت بكاملها في ليلة رمضانية قبل أذان الفجر قصفت الطائرة أخي، وتجمعنا لتقصف مرة أخرى، وقتلت جيراني وأخواني الآخرين وكنا هنالك نحمل الجثث المصابة نريد أن نصل إلى طريق المستشفى وبعد يومين تعفنت الجثث وقبرناها في ديارنا ورحلنا أنا وأبي وحدنا!!.