رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن يفرض هيمنة شخصية له على الناس، لم يكن يريد من الناس أن يسيروا في حياتهم وفق مزاجه، ووفق هوى نفسه، وأن يأمرهم بما يريد هو، ويفرض عليهم شيئًا من نفسه على الإطلاق، على الإطلاق.
الرسول كان فقط يسير بالناس معه على ضوء تعاليم الله، يُعبِّد الناس لله فقط، لا يعبدهم لنفسه، لا يفرض عليهم أشياء لنفسه، ومن أجله هو، أو من عنده هو، كان مع الناس، مع الناس متبعًا، متبعًا لهدى الله، متبعًا لما أنزل الله، يبلغ رسالات الله وأوامر الله ثم يطبقها مع الناس، يعمل بها مع الناس، لكن ما يريده منا الزعماء العرب هو أكثر مما كان لرسول الله، لم يكن لرسول الله أن يأمر من نفسه، وأن يُسيِّر الناس على نفسه، أن يتحكم على الناس بشيء من نفسه هو، كان يقول: }إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ{ وكان يتقيد بأوامر الله، يأمر بما أمر الله وينهى عما نهى الله؛ لأنه لا يريد أن يكون الناس عبيدًا إلا لله، إلا لله، أما هؤلاء فإنهم يريدون أن يستعبدونا، أن يُسيِّرونا في حياتنا وفي مواقفنا على أهوائهم، لمصالحهم الشخصية، لأطماعهم، أن يستذلونا، أن يقهرونا، أن يستعبدونا، وهذا شيء غير مقبول فلم يكن حتى لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
الإسلام يربي رجالاً يواجهون المستكبرين:
الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قام بمسؤوليته على أكمل وجه، وبلغ البلاغ المبين، وجاهد في سبيل الله؛ لأن الله جل شأنه جعل إقامة هذا الدين يقترن بها الجهاد في سبيل الله، الله يقول: }لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ{الحديد: 25 أنزل الله مع الرسل الكتاب وأنزل مع الرسل الحديد، الحديد.
إن الإسلام الذي جاء به محمد يربي رجالاً يحملون الحديد فيذودون به عن هدى الله، ويواجهون به الطغاة، ويواجهون بالحديد المستكبرين، ويواجهون بالحديد الطامعين الذين يريدون أن يطفئوا دين الله.
إن دين الله يربي رجالاً، ينتج رجالاً، ينتج أبطالاً يخلعون ثوب الذل، وكذلك يكونون بعيدًا عن المسكنة والهوان والإذلال والتعاسة، رجالاً أعزاء بعزة الله العزيز، وبعزة رسوله العزيز، وبعزة القرآن العزيز، أنزل الله الحديد ليكون أبناء الإسلام، أمة محمد، أتباع محمد رجالاً يحملون الحديد فيدافعون بالحديد عن أنفسهم، وبالحديد الذي حمله رسول الله درعًا، وبالحديد الذي حمله رسول الله سيفًا، وبالحديد الذي حمله رسول الله سهمًا، تحرك رسول الله كأعظم قائد عسكري وبطل ورجل عظيم ليقارع الطغيان، ليقارع المنكر، واجه اليهود وهزمهم، وواجه مشركي العرب وطغاة العرب، والمفسدين من العرب وهزمهم، وواجه أيضًا النصارى بكل إمكانياتهم العسكرية وانتصر عليهم.
هذا هو رسول الله الذي خاض الكثير من المعارك ذودًا عن الحق، من أجل المستضعفين، من أجل المظلومين، من أجل إقامة الحق، من أجل إزالة الظلم وإزالة الطغيان، على هذا الأساس قام الدين، وقام الحق، وقام العدل، وأصبح للمسلمين كيان عزيز، وكيان مقتدر وقوي.
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بجهاده العظيم حتى وهو يحتضر على فراش الموت كان قد أعد سرية جهادية، أعد جيشًا مجاهدًا وهو يقول: «أنفذوا جيش أسامة، أنفذوا جيش أسامة»، بهذه الجهود العظيمة التي بذلها (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يبلغ ثم وهو يقاتل، ثم وهو يربي، ثم وهو يعلم، ثم وهو يصلح، بهذه الجهود العظيمة قام للإسلام كيان عزيز وعظيم وقوي.
Prev Post
Next Post