البيت الأبيض.. من خُبث السياسة إلى سياسة الخُبث والعداء..
رياض مطهر الكبسي
أسدل الستار على الانتخابات الأمريكية، وانتهى الفصل الدرامي الذي جسد بطولته صاحب الشعبية الاستطلاعية هيلاري كلينتون ومنافسها دونالد ترامب لتأتي النتائج مغايرة لاستطلاعات الرأي العام الأمريكي ولتوقعات الكثيرين من المهتمين والمتابعين.. هكذا أراد المخرج أن ينتهي سيناريو الدراما الانتخابية..
* وعلى رغم ما شهدته وتشهده بعض الولايات الأمريكية من احتجاجات صاخبة رافضة لتولي ترامب رئاسة أمريكا إلا أن الأمور قد حُسمت وأُعلنت نتيجة الانتخابات لصالحه ليكون الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة الأمريكية خلفاً لاوباما..
لكن ما يهم هنا هو السياسة التي سينتهجها ترامب في إدارة الأمور خلال فترة رئاسته الأولى خاصة تجاه الشرق الأوسط..
* فمنذ إعلان الرئيس الأمريكي الأسبق بوش الصغير – الذي يُعد ترامب من نفس فصيلته والحزب الذي ينتمي إليه – في العام 2011 م عقب أحداث 11 سبتمبر حملة صليبية ضد الإسلام والمسلمين، ولو أنه أعاد تصحيح تصريحه وقولبته بعد ذلك للإعلان عن التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب واتبعه بعبارة من ليس معنا فهو ضدنا.. الذي شكل إرهابا بحد ذاته، إذ أنه بموجب ذلك الإعلان أُستُبيحت الدول واحتُلت دول، وتم تصدير الإرهاب للشرق الأوسط وإلصاقه بالدول العربية والإسلامية التي خضعت وخنعت ولم تواجه ذلك حتى بردود فعل رافضة، فتقبلت تهمة الإرهاب وتقبلت إلصاقه بالإسلام والمسلمين لتشويه صورة الدين الإسلامي لدى العالم من جهة، ومن جهة أخرى لتستباح أية دولة يريدون احتلالها تحت مسمى (مكافحة الإرهاب) كما حصل في أفغانستان، وبعد ذلك احتلال العراق تحت مبرر أنها تهدد الأمن القومي الأمريكي..
وتوالت الأحداث لتعم المشاكل والاختلالات معظم الدول العربية في عهد الرئيس أوباما، الذي انتهج سياسة المكر والدهاء والمداهنة والخداع والمغازلة والمخاتلة وكانت مغايرة لسياسة بوش العدائية العلنية، وقد استطاع خلال فترتي حكمه وبأسلوب الثعلب الماكر بالاستعانة بمن أسماهم أصدقاءهم وحلفاءهم زرع ونشر التطرف في معظم الدول العربية والإسلامية وتأسيس ونشر داعش والقاعدة واخواتهما والتدخل في شؤون الدول تحت مسمى محاربة داعش وزرع الفرقة وتأجيج الخلافات والانشقاقات بين الإخوة العرب والمسلمين ودس الدسائس لإيقاد شعلة الصراعات والاقتتال في ما بينهم واستغلال ذلك في تحقيق المصالح الأمريكية..
* وليس بخافٍ أن هناك سياسة أو استراتيجية مرسومة لإدارة شؤون أمريكا يسير عليها كل من يحكم البيت الأبيض مع اختلاف طريقة التنفيذ من رئيس لآخر سواء بالمواجهة والعلنية كبوش الجمهوري أو بالهدوء والمكر والخبث السياسي كأوباما الديمقراطي إلا ان الهدف واحد وهو تحقيق المصالح الأمريكية على حساب كل شيء..
* وعلى الرغم من أن تصريحات ترامب النارية قد أظهرت أسلوب تعامله، الذي يبدو أنه لا يختلف كثيرا عن أسلوب بوش، خاصة تصريحاته التي قال فيها ” يجب أن يكون هدفنا وقف انتشار الإسلام المتطرف، وأي دولة ستشاركنا هذا الهدف ستصبح حليفتنا ” فهي نفس تصريحات بوش في 2011 م العدائية والمعادية للإسلام والمسلمين ولو اختلفت الصيغة قليلا.. فبعد أن صدروا إلينا الإرهاب واستطاعوا فرضه وإلصاقه بالإسلام وزرعوا في أوساطنا متأسلمين يشوهون الإسلام والمسلمين، أصبحوا ينظرون إلى الإسلام ويسمونه إسلاما متطرفا يجب محاربته ومحاربة انتشاره، وهي مبررات أخرى لاستباحة ما يشاءون واحتلال ما يشاءون من الدول..
فيا ترى أي نهج سينتهجه ترامب هل سياسة المواجهة كسابقه من حزبه أم أنه سيخالفهم بنهج جديد؟!.. فقد تكون هناك مفاجآت قادمة، وقد يكون عزالدين أضرط من أخيه..
* وأياً كانت السياسة أو النهج وأسلوب إدارة ترامب فلا ينبغي أن يعول قاطنو الدول العربية والإسلامية في تحسن أي شيء، ليس ذلك من باب التشاؤم، ولكن ينبغي على المتفائلين خفض نسبة حساسية التفاؤل لديهم بمن يتولون حكم البيت الأبيض، فهي سياسة مرسومة ومعدة سلفاً، ومن باب ذر الرماد على العيون تراهم في ما بينهم يمارسون التداول السلمي لسلطة الرئاسة الأمريكية، أي مرة بمرة، فتارة يصعد رئيس ديمقراطي وتارة أخرى رئيس جمهوري وهكذا، وكلٌ يقوم بعمله حسب ما هو مرسوم له، وكل حزب له سياسته وطريقته في إدارة الأمور، إما دهاء وخُبث السياسة على شاكلة أوباما، أو سياسة الخُبث والعداء العلني على شاكلة بوش، والتجارب السابقة كثيرة، وهي شاهد حي على ذلك وأن كل من اعتلى كرسي الحكم في أمريكا لا يجعل نصب عينيه سوى مصلحة بلاده وشعبه على حساب كل شيء، وينسى ويتناسى من يسميهم أصدقاءه وحلفاءه ولا يتذكرهم إلا عندما تقتضي المصلحة الأمريكية الاستعانة بهم لتحقيقها، إلا إسرائيل التي تُعد الحليف الأوحد والأهم والذي لا يمكن لأي رئيس أمريكي تجاهله أو نسيانه بل جميعهم يعمل لبقائها وتحقيق أمنها ومصالحها.. وبالتالي فإنه إن لم تفرض نفسك فلن يبالي بك أحد ولن ينظر إليك أحد، وإن لم تخدم نفسك فلا تنتظر أن يخدمك أحد، فما حك جلدك غير ظفرك.. فالطيور على أشكالها تقع.. والغراب لا ينعق بخير..
ryadh_ma@yahoo.com