تقييم السياسة الخارجية لأوباما في العدوان على اليمن
منذ بدء العدوان السعودي على اليمن قبل نحو 20 شهراً بحجة الدفاع عن الشرعية ومحاولة إعادة الرئيس الهارب “عبد ربه منصور هادي” إلى السلطة في هذا البلد، سارعت الإدارة الأمريكية برئاسة باراك أوباما إلى دعم هذا العدوان دون أخذ موافقة الكونغرس الأمريكي، وإن كان الاعتقاد السائد بين المراقبين هو أن هذا العدوان إنّما حصل بإيعاز مباشر من واشنطن نفسها لخلط الأوراق في المنطقة وإضعاف محور المقاومة من خلال ضرب حركة أنصار الله التي تمكنت من طرد منصور هادي وأعوانه من السلطة.
وقامت الإدارة الأمريكية بدعم السعودية بمختلف أنواع الأسلحة الفتاكة لضرب الشعب اليمني والبنى التحتية والذي أسفر حتى الآن عن مقتل وجرح الآلاف من المدنيين أكثرهم من النساء والأطفال وتشريد نحو ثلاثة ملايين آخرين وتدمير المدارس والمستشفيات ومحطات الطاقة والكهرباء ومياه الشرب ومستودعات الأغذية والأدوية، ولم تسلم من هذه الهجمات حتى المساجد ومجالس العزاء كما حصل في العاصمة “صنعاء” قبل عدّة أسابيع.
ومن بين هذا الدعم قيام وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” بمنح عقد لشركة “رايثيون” الأمريكية المتخصصة في أنظمة الدفاع لتوريد 355 صاروخ “جو – أرض” إلى السعودية في مسعى واضح لدعم غاراتها الجوية على اليمن. ويتم توجيه هذه الصواريخ وهي من طراز “إيه جي إم- 154” باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وأنظمة التوجيه الحراري.
ولم تكتفِ الإدارة الأمريكية بتسليح الجيش السعودي بشتى أنواع السلاح والمعدات العسكرية؛ بل عمدت أيضاً إلى تزويده بالمعلومات الاستخبارية التي تمكنه من استهداف المناطق الحيوية في اليمن، بالإضافة إلى تدريب الطيارين السعوديين لهذا الغرض.
ومن الأساليب الأخرى التي اتبعتها واشنطن لدعم السعودية في هذا العدوان إرسال سفن حربية إلى المياه الدولية القريبة من اليمن لمنع وصول أي مساعدات إنسانية إلى الشعب اليمني من الدول الأخرى لاسيّما من إيران.
في هذا السياق أكد زعيم حركة أنصار الله “عبد الملك الحوثي” إنّ أمريکا تقدم دعماً لوجستياً وغطاء سياسياً للاعتداءات الجوية السعودية على اليمن. وقال الحوثي إن الدور الأمريكي الرئيسي في العدوان السعودي على بلاده يكمن بالإدارة والاستطلاع والدعم اللوجستي والقصف الجوي والبحري وتقديم مختلف أنواع السلاح وتوفير الغطاء السياسي بشكل كامل لهذا العدوان، وكذلك الحماية من الضغط الحقوقي من جانب المنظمات والأمم المتحدة لإدانة الجرائم السعودية ضد الشعب اليمني.
ويعتقد معظم المراقبين بأن أمريكا تتحمل مسؤولية مباشرة إزاء هذه الجرائم، خصوصاً وإنها قد ساعدت على إطلاق يد الجماعات الإرهابية لاسيّما “داعش” و “القاعدة” لتنفيذ عمليات إجرامية في اليمن مستفيدة من الظروف التي أوجدها العدوان السعودي على البلد ودعم سلطات الرياض لهذه الجماعات عسكرياً ومادياً.
والسؤال المطروح: لماذا قامت إدارة أوباما بدعم السعودية في عدوانها على اليمن في حين لازالت تنتقد مشاركة روسيا في ضرب مقرات ومواقع الجماعات الإرهابية في سوريا؟
الإجابة عن هذا التساؤل تكمن بمعرفة أهداف واشنطن في اليمن والتي يمكن الإشارة إلى بعضها كما يلي:
– إرضاء السعودية التي لم تكن راغبة بتوقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5+1) التي تضم أمريكا وباقي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا، في يوليو 2015.
– صرّح العديد من المسؤولين الأمريكيين بينهم وزير الخارجية “جون كيري” بأن بلاده لن تترك حلفاءها في المنطقة ومن بينهم السعودية رغم الانتقادات الواسعة لها بانتهاك حقوق الإنسان ودعم الجماعات الإرهابية والمتطرفة والتي وصلت تهديداتها ومخاطرها إلى عمق الأراضي الأمريكية.
– إضعاف حركة أنصار الله في اليمن رغم علم الجميع بأن اللجان الشعبية والثورية التابعة لهذه الحركة قد ساهمت بشكل كبير في ضرب الجماعات الإرهابية لاسيّما “القاعدة” قبل شنّ العدوان السعودي في مارس 2015م.
ورغم تظاهر أمريكا بالسعي لوقف إطلاق النار في اليمن ومطالبة بعض أعضاء الكونغرس بوقف بيع السلاح إلى السعودية إثر تصاعد الانتقادات الدولية للرياض بانتهاك حقوق الإنسان ودعم الجماعات الإرهابية، إلاّ ان الحقائق والقرائن المتوفرة تشير بشكل واضح إلى أن واشنطن لازالت تدعم العدوان السعودي على اليمن لإرغام حركة أنصار الله على الاستسلام أو إضعافها على الأقل باعتبارها تمثل جزءاً مهماً من محور المقاومة الذي يتصدى للمشروع الصهيوأمريكي في عموم المنطقة.
ومحاولات واشنطن الظاهرية لإنهاء المعاناة في اليمن، ليس من أجل الحفاظ على ما تبقى من هذا البلد المظلوم من بنى تحتية أو شعب صامد في مواجهة العدوان، إنما لإنقاذ السعودية وأمريكا من هذه الورطة والخروج بأقل خسائر ممكنة، بعد تيقنهم بأن هذا العدوان لن يجدي نفعاً؛ بل على العكس جلب الكثير من الانتقادات اللاذعة للجرائم التي ترتكب بحق الشعب اليمني والتي باتت ظاهرة للمنظمات والهيئات الدولية المعنية.
ويبدو أن أمريكا تريد إنهاء العدوان والصراع الذي أشعلته في اليمن، وتورطت فيه بشكل واضح أمام المجتمع الدولي ومنظماته الحقوقية والإنسانية وعلى رأسها “هيومن رايتس ووتش” التي تطالب بإجراء تحقيق عاجل حول الجرائم السعودية ضد الشعب اليمني، مؤكدة أن الكثير منها هي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. كما سبق ودعت منظمة العفو الدولية إلى تعليق عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حتى تتوقف عن ارتكاب هذه الجرائم وتكف عن انتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان.
ونتيجة لهذه الانتقادات التي ازدادت مؤخراً والتي باتت تؤكد تورط الإدارة الأمريكية في الحرب والمعاناة اليمنية دون أدنى شك، أقدمت واشنطن على خفض عدد مستشاريها العسكريين في التحالف ضد اليمن، الأمر الذي اعتبره بعض المراقبين بأنه مؤشر آخر على محاولات إدارة أوباما الانسلاخ من الجرائم السعودية المتواصلة ضد الشعب اليمني.
ومع اقتراب موعد انتهاء الولاية الثانية لأوباما ووصول المرشح الجمهوري “دونالد ترامب” إلى البيت الأبيض ينتظر المجتمع الدولي من الإدارة الأمريكية القادمة أن تضع حدّاً للسياسات الظالمة التي انتهجتها واشنطن ضد شعوب المنطقة ومن بينها الشعب اليمني، والكف عن دعم الأنظمة القمعية والداعمة للإرهاب وفي مقدمتها النظام السعودي الذي لطخ سمعة أمريكا والدول الغربية الحليفة لها من خلال جرائمه وانتهاكاته التي لا تعد ولا تحصى للقوانين والمقررات الدولية.
* نقلاً عن موقع الوقت التحليلي الاخباري