مِن واقع الحياة
عادل بشر
أنذهل الجميع حين اعترف محمد انه قام بقتل صديقه الوحيد وتوأم روحه وزاد من إنذهال الحاضرين في مركز الشرطة حين قال إن السبب الذي جعله يقدم على قتل اعز صديق لديه هو رفض المجني عليه إرجاع تليفون جوال كان قد استعاره من صديقه محمد.
لم يقتنع احد بالسبب الذي ذكره محمد فليس من المعقول أن يقتل شخص الصديق الوحيد المقرب إلى قلبه بسبب “موبايل” لا يتجاوز سعره بضعة آلاف ريال ولا يمكن أن يرتكب شخص هذه الجريمة مع شخص آخر لا يقرب له أو لا يعرفه ويودي بنفسه إلى التهلكة، فكيف بصديق تقاسم معه لقمة العيش، عاشا معا في ود وحب واحترام، هذا مالا يمكن أن يصدقه عاقل على الإطلاق، لكنه حدث مع هذين الصديقين.
ينتمي محمد وصديقه جمال إلى إحدى المحافظات، ورغم أن كل واحد منهما من مديرية بعيدة عن الأخرى، إلا أن علاقة صداقة قوية نشأت بينهما منذ زمن، حتى أن من لا يعرفهما يظنهما اخوين أو قريبين نظرا لبقائهما مع بعض أكثر الأوقات ونظرا للانسجام الحاصل بينهما.
مضت الأيام والأشهر والسنوات وهما على هذه الحال وفي كل يوم أو عام يمر تزداد صداقتهما متانة وقوة، فحيثما يكون محمد يتواجد جمال والعكس صحيح .
فجأة اختفى جمال من الوجود ولم يعد احد يشاهده مع صديقه، ففتش عنه أهله في كل مكان لكنهم لم يجدوا له أثرا في منطقتهم وكأن الأرض انشقت وابتلعته، وكان أول من سألوه عنه هو صديقه محمد فقال لهم انه لا يعرف شيئا عن اختفائه المفاجئ وأنه هو الآخر مستغرب ذلك وزاد بالقول أنه آخر مرة التقى به لم يخبره جمال عن أي شيء يشير إلى انه يريد الرحيل أو الاختفاء أو أي شيء من هذا القبيل.
احتار أهل جمال كثيرا ولم يعرفوا ماذا يصنعون وسلموا أمرهم لله عز وجل وبعد بضعة أيام من اختفاء جمال الغامض وجدت أجهزة الأمن جثة جمال ملقاة في منطقة بعيدة خارج صنعاء وتبين بعد فحصها من قبل الطبيب الشرعي انه تعرض لإطلاق نار من مسافة قريبة في منطقة الرأس أدت إلى وفاته ثم تخلص الجاني من الجثة برميها في منطقة غير مهولة بالسكان .
بدأت أجهزة الأمن البحث والتحري حول الجريمة فتم استدعاء أسرة المجني عليه واخذ أقوالهم حول ابنهم المجني عليه وسلوكه وان كان له أعداء أو مشاكل مع آخرين وكانت كل الإجابات تفيد بأنه لا توجد مشاكل لديه مع احد كما أفاد الجميع انه قبل اختفائه كان برفقة صديقه محمد.
لم يشك احد من أسرة المجني عليه أن يكون محمد هو الجاني نظرا للصداقة القوية التي كانت تربط الشابين لكن أجهزة الأمن كانت لها وجهة نظر أخرى فاستدعت الشاب محمد للتحقيق معه حول مقتل صديقه وكانت المفاجأة، حيث اعترف محمد بعد مواجهته بالأسلحة والحقائق أثناء التحقيق معه، انه قاتل صديقه جمال وبحسب أقواله في محاضر التحقيق التي قال فيها أن المجني عليه جمال استعار منه تليفونا جوالا لكنه حين طلب منه إعادته رفض جمال ذلك وراوغ في إرجاع التليفون إلى صديقه محمد ففكر الجاني في طريقة لأخذ التلفون واسترجاعه باي أسلوب، فقام باستدراج جمال وأخذه على متن سيارته موهما إياه رغبته في أن يذهبا في رحلة بالسيارة إلى إحدى المناطق خارج المدينة وحين وصل الاثنان إلى منطقة خالية من السكان أوقف محمد سيارته واخرج سلاحه المسدس وصوبه نحو صديقه جمال الذي يجلس إلى جواره على مقعد السيارة وهدده بالقتل إذا لم يعيد الموبايل، غير أن جمالاً اعتبرها مزحة وأصر على رفضه إعادته، فكان من الجاني محمد أن ضغط على الزناد وأطلق عدة طلقات نارية صوب رأس جمال فاخترقت الطلقات رأسه وانتزعت روحه من جسده ثم قام بإلقاء الجثة خارج السيارة ونظف سيارته من الدماء وفر من المكان وكان شيئا لم يحدث حتى اكتشفت الجثة من قبل رجال الأمن.
ورغم تكتم الجاني طوال التحقيق معه من قبل أجهزة الشرطة عما يحويه التليفون من أشياء تستدعي قتل اعز أصدقائه لاسترجاع الجوال إلا أن الشرطة توصلت بعد ذلك إلى معلومات تفيد بأن الجاني كان يحتفظ في الموبايل بصور ومشاهد غرامية لإحدى الفتيات وحين استعار صديقه التلفون منه خاف الجاني من أن ينفضح أمره وان يقوم صديقه بنشر تلك الصور على آخرين فلم يجد غير قتله واخذ التليفون منه لكن القدر شاء أن تكون فضيحته اكبر في جريمة اهتزت لها المشاعر وبكت لفظاعتها القلوب.