كتبت / بلقيس الحنش –
تتمنى فقط أن تكون بين ذراعيه تقف بالساعات تناجي صوره المعلقة على حائط منزلها وتلك التي بمحفظة جدتها , ودموع أمها التي لم تتوقف يوما وهي تحكي صفاته الجميلة ومناقبه لها.
تتساءل (الطفلة م.م) لماذا يا أمي لم يخرج أبي ¿ الم تقولي لي انه بريئ ترد والدتها بنظرات أكثر بؤسا وتقول لها نعم
إنها ابنة المعتقل عبدالرحمن الذي لم تره إلا في عيون أمها وإصرار جدتها تقف بصلابة في انتظار عودته إلى أرض الوطن
تنتظر منذ سنوات لأن تحتضن والدها الذي يفصلها عنه دول وقارات وبحار هنا في صنعاء تنتظر قدوم والدها من جوانتاناموا
تدرك جيدا أن المسافة بينها وبينه بعيدة ولكنها بذات الوقت تدرك أن المسافة بين الإفراج وأبيها أصبح حلما◌ٍ أطول من الطريق الذي يفصلها عنه
تقف الجدة إجلالا◌ٍ لحفيدتها لتفوقها التعليمي وتلملم حاجياتها وحاجيات أسرتها كي تقرر العيش في صنعاء بعد أن كانت تسكن في إحدى قرى ريمة
تقول الجدة ( والدة المعتقل ) بحرقة: “لقد اضطررنا العيش هنا في صنعاء كي نتابع أخبار ولدي واعرف ما الذي يجب عمله والوقوف مع الآخرين بوقفات احتجاجية للإفراج عنهم “
مضيفة انه يسمح لها بسماع صوته مرة كل شهرين بحديث لا يتجاوز بضع كلمات مشيرة إلى أن التواصل يكون عبر الصليب الأحمر فالتشويش وقطع المكالمات وارد في كل مرة , وتعليمات بضرورة إجازة كلامنا معه حاضرة معنا
تتحدث معي زوجته بهدوء تام وكلمات تتحشرج من صوتها إلى انها لم تتعرف إلى زوجها إلا فترة قصيرة جدا فقد ابتعث للدراسة في باكستان بعد الزواج مباشرة
تضيف الجدة لي قائلة: “لقد ذهب ابني للدراسة في باكستان لدراسة علوم القرآن الإسلامية ولم نعرف انه اعتقل إلا بعد فترة وعلمنا انه بأمريكا في معتقل يسمى جوانتناموا , له الآن 12 عاما كل مرة يقولون انه سيخرج قريبا ونحن تعبنا ابني بريئ ولم يثبت أي شيء ضده ونحن ننتظر الفرج من الله “
تظل الأم والزوجة في انتظار مجيئ رب الأسرة وتستمر تلك الفتاة بالدراسة بجد كي تصبح طبيبة وتزداد شوقا لرؤية والدها تتمنى كل يوم أن تقفز بين ذراعيه وتخاف أن يظل الانتظار طويلا فلم تعد تحتاج إلى الصورة فهي بحاجة إلى ذراعين حقيقتين وعينين تقفان إلى جانبها وصوت حنون يخرج من فمه كي يقول احبك يا ابنتي كبقية الأطفال بعمرها
هذه إحدى القصص لمعتقلي جوانتناموا ويعد المعتقلون اليمنيون أكثر عدد فقد أشير بإحدى المؤتمرات الصحفية التي نفذته منظمة هود في منتصف الشهر الماضي إلى أن عدد المعتقلين جوانتناموا يبلغون (166) منهم (94) يمنيين وإن (26) ممن تسربت أسماؤهم قيل انه سيتم الإفراج عنهم لعدم وجود أدلة ضدهم
وذكر المؤتمر أن ما يقارب (130) معتقلا◌ٍ اضرب عن الطعام احتجاجا على وضعهم وعدم محاكمتهم فيما تضاربت الأنباء عن العدد الحقيقي الذي شملهم الإضراب فقد أشار موقع البي بي سي ان 84 معتقلا◌ٍ من مجموع 166 معتقلا في غوانتانامو نفذوا إضرابا◌ٍ عن الطعام¡ حسب مسؤولين عسكريين أمريكيين.
وأرغم 16 من أصل 84 معتقلا على تناول الطعام بالقوة في حين يعالج خمسة منهم في المستشفى لكن لا يعاني أي منهم من وضع صحي خطير يهدد حياته¡ حسب مسؤولين عسكريين للشبكة بي بي سي.
وبدأ المعتقلون إضرابهم عن الطعام في 6 فبراير الماضي وتنامي عددهم بسرعة ويشهد معتقل غوانتانامو إضرابات عن الطعام من حين لآخر لكن الإضراب الأخير هو الأطول والأكثر انتشارا.
يذكر أن الحكومة الأمريكية أمرت بإخلاء نحو 100 معتقل لكنهم لا يزالون رهن الاعتقال بسبب القيود التي فرضها الكونغرس بشأن إطلاق سراحهم والمخاوف من احتمال تعرضهم لسوء المعاملة لو أعيدوا إلى بلدانهم.
ومع كل هذه الأنباء تبقى قضية المحاكمة العادلة والإفراج في حالة إثبات البراءة هو الأساس الذي يطلبه هؤلاء المعتقلون وأسرهم التي ضاق بهم الحال فهل يعود اليمنيون إلى وطنهم وهل تعمل الحكومة الحالية حلا لأجلهم
ابنته اليوم ترتاد المدرسة وأصبحت مفوقة في الصف الخامس الابتدائي تعمل بجد في دراستها وتتمنى فقط أن تكون بين ذراعيه اكتفت فقط بالصور التي في منزلها وبمحفظة جدتها واكتفت أيضا بصمت ودموع أمها التي لم تتوقف يوما أو حتى ذكر ما استطاعت من صفاته الجميلة .