قراءة في المجموعة القصصية (سِفر الحديقة)

حديقة المذابي شذى وحكايات

سيرين حسن

قرأت كتابين لهما نفس العقلية الهندسية والتخطيط لكل تفاصيل الكتاب، بدءًاً من الغلاف والتسطير ومحتوى الكتاب، وهما (نوب الغياب) للغرباني و(سِفر الحديقة) للمذابي.
حيث جمع القاص حكايات الزهور في 12 قصة، وكأنها شهور السنة التي تبعث في كل شهر زهرة جديدة، لها قدراتها الخاصة ومميزاتها.
الفضائل والقيم الأخلاقية والإنسانية، والصراع بين الخير والشر الذي ما يزال مستمراً منذ الأزل هي الثيمات الرئيسية للمجموعة.
الزهرة هي المرأة، والمرأة هي وجوه الحياة المختلفة المتمثلة في كل زهرة باختلاف أشكال الزهور وأنواعها وألوانها وخصائصها.. الحكايات تنتصر للوردة، لسلطتها، جمالها، قوتها، وقدرتها على جعل الكون مكاناً أفضل عامراً بالحب والخير والسلام.
في الحديقة التي زرعها القاص الكثير من العبر والحكايات التي أخذت الورود فيها الصدارة، لا أسماء لأشخاص ولا قرى أو ممالك سوى صفات كالحكيم، الحورية، الساحر الشرير، رجل الكهف وزوجته، المهندس، الطبيبة…الخ.
اللغة المستعملة هي لغة الحكايات القديمة .. لغة عابقة برائحة الورد ورنين صوت الجدة.. لتعيدنا إلى مرحلة تبعث الطفل فينا ليجلس مدهوشاً يستمع لجدته وهي تبدأ “بكان يا ما كان في قديم الزمان” فتنفتح أبواب الخيال لنتوقع الساحر والشرير، الأميرة والأمير، القلعة المحاطة بأزهار وأشواك، والمعركة التي سينتصر فيها الخير دوماً.
بالإضافة لعالم الأساطير الذي تحملنا المجموعة إليه فإنها توصل رسائلها بشفافية ويسر، وبهذا لا تكون مجموعة للتسلية فقط بل رسالة وسِفر يعيد توضيح الصورة عن جماليات الحياة والحب والخير. التي يجب أن نحيا بها.
المجموعة كلها للمرأة في كل قصصها وحكاياتها، ماعدا قصتين كانتا للرجل، الأولى هي عباد الشمس الذي يضحى لأجل أن يزيح الظلام عن القرية فيموت لكن هدفه يتحقق، والآخر هو النرجس والذي هو الضد لعباد الشمس الذي ضحى بنفسه يكون النرجس أنانياً لا يحب أحد؛ ولذا لا يحبه الناس، ولعل القاص قالها بصراحة فهي صفة في الرجال تعوضها الطبيعة في النصف الآخر (المرأة) التي تعطي دون مقابل وقد تنسى نفسها في غمار العطاء والتضحية للآخرين، لذا كانت المرأة هي الأم وهي من تحمل في أحشائها حياة جديدة وليس الرجل.
في القصة الأولى(حلم وردي):
تقول الفتاة للطفل “أن الورود لا يقطفها إلا الكبار”.. هنا كناية عن أن الكبار وحدهم من يقترفون الأمور السيئة كقطف وردة وإنهاء حياتها.. فالوردة تحيا في تربتها وتشرع في الموت حال قطفها، ومهما وضعنا لها الماء وهي في الأصيص فإنها ليست إلا مغالطات للزمن، حيث تحتضر الوردة وهم يشاهدونها و يتمتعون بامتلاكها ولو لأيام.
الكبار هم من تمتلئ حياتهم بالأحقاد والأطماع وفي سبيل تحقيق مآربهم يدوسون على أشياء جميلة كثيرة دون الاكتراث بها.. لذا عالم الكبار مشحون بالنزاعات والحروب التي لا يفهم الصغار سببها، فما سبب أن تقتل شخصاً آخر بطريقة بشعة، ومع هذا لا تشعر بالأسف أو الألم لأجله.
الورد هنا هو الطفولة والبراءة التي تنظر بعين الجمال ولا تبدأ في تدميره كما يفعل الكبار.
في قصة ليلك:
المرأة الليلك هي المنقذة للقرية وحبل النجاة.. يتم إنقاذ القرية بتلاعب لغوي بسيط بين كليل وليلك وكأس الألم وكأس الأمل.. تلاعب بسيط يصنع الفارق الكبير في إنقاذ القرية الطيبة من القرية الشريرة.
المانوليا:
في بداية هذه القصة محكاة لقصة حورية البحر التي تعشق بشرياً، وتجازف كي تذهب إليه إلى اليابسة وتكون مستعدة للتضحية بأي شيء لأجله.. أما نهايتها فكانت محاكاة للكثير من قصص العشاق حيث يموت الحبيبان.. المرأة هنا هي وجه الحب الذي لم يخلق إلا بها ولها.
البيلسان:
المرأة البيلسان هي رمز الكفاح والعمل في قصة رجل الكهف الذي يرمز لآدم وزوجه.. الوردة التي تنبت من عرق رجل الكهف وكفاحه لإيجاد لقمة العيش.
السوسنة:
في هذه القصة يقول الإحسان للوردة هو قمة التغيير في حياة المرء.. والإحسان إلى المرأة ومعاملتها بالرقي والاحترام سيغرس في المقابل قيماً وأخلاقاً ويرفع من مستواه الفكري ليرتقي.. وليس الإحسان نوعاً من الشفقة بل الاحترام لها كإنسانة لها الحق في الحياة مثل الرجل.
فالسوسنة في حكاية الملك الذي كادت ذريته أن تنقطع كانت الأمل في حياة وتجدد وتواصل مملكته ولذا استحقت حب جميع أفراد الشعب.
عباد الشمس:
هنا كان الزهر رجلاً.. عباد الشمس هو الرجل الذي وصفه القاص بمصدر النور الذي سيزيح الظُلمة عن القرية وينقذها.. وإن كانت المرأة قد وُصفت بالأمل والرجاء فهما المقابل لوجه الشمس المنير ولزهرة عباد الشمس التي يضحي صاحبها بنفسه كيما تحصل القرية على الحرية من عبودية الظلام.
الصبار:
وردة تُعلم الصبر في حكاية تشبه حكاية سندباد، حيث يجد فتاته في قرية لا تظهر إلا كل بضع سنوات ليتعلم الصبر والانتظار حتى تظهر مجدداً ويتسنى له رؤيتها.
النرجس:
للمرة الثانية يظهر الرجل في المجموعة وهنا هو بزهر النرجس الأناني.. وأُثني على القاص لاختياره الرجل هنا، فلا يمكن أن تكون المرأة الكائن المتميز بالبذل والمجبول على العطاء نرجساً.
التوليب:
أيضاً في هذه القصة نعود للحب.. حب عاشه الطفلان في عالم آخر وحياة أخرى وكان يجب ألا يموت حبهما إذ دلفا إلى الحياة على الأرض؛ لذا شاءت الأقدار أن يلتقيا رغم المسافات الشاسعة التي تفصل بينهما.. ليجتمعا في مكان زُرعت فيه التوليب لتكون مكاناً للقاء المحبين ومزاراً للعاشقين من بعدهم.
الياسمين:
الورد الذي لا ينحني لذا لم يتلون ولم يتغير.. الياسمين كناية عن الشخص الذي لا يغير مبادئه وقيمه وأخلاقه ولا يتأثر بالجو المحيط والمغريات.. وجميل جداً أن كانت هذه القصة ختاماً للمجموعة الساحرة الغنية بالخير و القيم والمحبة.
حديقة ممتعة تستحق أن يقرأها الكبار والصغار؛ لإحياء جماليات في ذاكرتنا وقلبنا كادت أن تندثر مع قسوة الحياة.. والورود كانت خير رسول لكل ما أراد القاص إيصاله من نفحات الخير والجمال وعندما تنتهي حكايات الورود ستقول الجدة: توت توته خلصت الحدوته.

قد يعجبك ايضا