محمد علي السهماني –
لايمكن تشخيص مشاكل الأمة المسلمة إلا من خلال دراسة الأسباب …والمنهج الرباني (القرآن الكريم) وحده من يشخص الأسباب ويستعرض معها الحلول والمعالجات وفي آية واحدة يحلل القران الكريم أهم مشكلة في واقع المسلمين يقول تعالى (فلما نسوا حظا مما ذكروا به أغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) والمعنى ان الأمة عندما نسيت وشائج الأخوة والمحبة والألفة والصفاء … التي جعل الله من هذه المبادئ حجر الأساس في الحركة التعاملية اليومية والدائمة بين المسلمين … تحولت هذه الصورة النموذجية والإيجابية إلى صورة سلبية قاتمة يمكن وصفها بالصورة المعكوسة في حياتنا …. حياة مادية متسمة بالكره والبغضاء وهذه الصفات بالضبط كانت سببا في التقاتل والتناحر وكل مشاهد الظلم والاستبداد الذي خلف الدمار وتفاقم الأزمات في كل مجتمعات المسلمين دون استثناء … فكان التحليل الأول لمشاكلنا هي العداوة والبغضاء ولا يستطيع أحد إنكار ذلك لأن البغضاء أصبحت لغة الواقع بدون مغالاة … بالنظر إلى حال السياسيين والمتحزبين وانتقالا إلى حال غير المكترثين بهموم السياسة سنجد أن مرض الكره والبغض مخيم في القلوب إلا من رحم الله … ومع سلسلة البغض المحرم نتابع نتائجه التي تبرز في مقدمتها انتشار (الخصومة) كمشكلة واقعية في سلوك الحاكم والمحكوم ومالا يدركه المسلمون وهم على جبهات الخصومة متقاتلون أن تحليل النبوة الصادقة أطلق على الخصومة بين الأخوين أو الفصيلين والحزبين أو الطرفين المسلمين أطلق عليها (كفرا) والدليل قول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام (لا ترجعوا بعدي كفارا يقتل بعضكم رقاب بعض) والخطاب هنا للمسلمين ولا يقتل المسلم أخاه المسلم ألا بعد خصومة مستعصية ورثتها الأحقاد والبغضاء المعبر عنها في بعض الآثار بأنها (الحالقة) ولا يوجد احد منا لا يفقه معنى الحالقة إذ أنها تحلق كل معالم الأخلاق وتهدم مختلف كيانات الأمم وتمهد بلا هوادة لهتك مقومات العصمة والقدسية للنصوص والأحكام الفاضلة وتبرر في أفعالها لاستحلال النفس والمال والعرض ….كل هذه المشاكل القلبية التي نعاني منها هي أشد ضررا من المشاكل الاقتصادية لأنها باختصار تقضي على أهم أسس بناء المجتمع المسلم هذا المجتمع الذي أسسه رسول الله على قاعدة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ولم يكتف بذلك مازجا بين العرقين المختلفين بل تألق في قدرته على جمع مختلف الأعراق المتعايشة في المدينة على قاعدة الأخوة في الدين أوثق من أخوة النسب والعشيرة فكانت المدينة المنورة مظلة واسعة يستظل تحت ظلها المكي باختلاف منبعه والمدني باختلاف قبيلته والإفريقي والفارسي والنصراني الذي طمس أصله بانضمامه إلى دائرة المسلمين وكل هؤلاء دفنوا عرقهم وتناسوا أصولهم بعدما وجدوا أرضية مناسبة جمعتهم جميعا وهي أرضية الإسلام في أهم قواعده وهي الأخوة الإسلامية المتغلبة بالاختيار والقناعة على أخوه النسب أو العرق والعشيرة …… ونجد في روعة سيدنا رسول الله من خلال سيرته العطرة أنه لم يكتف بالمؤاخاة بين المسلمين من منطلق الدين الواحد بل تجاوزت نباهته إلى تجنيب مجتمع المدينة البغض والكراهية تجاه الأديان والأقليات المخالفة لمنهج العقيدة المسلمة بأن قام صلوات ربي وسلامه عليه بتدوين وثيقة تاريخية مازالت محط اهتمام الغرب قبل الشرق حتى يومنا هذا أطلق عليها(وثيقة المدينة) حدد فيها أن أهل المدينة مسلمين ويهود ويروي بعض المؤرخين أن الوثيقة شملت النصارى والوثنيين على قلتهم في ذاك العصر قد شملتهم هذه الوثيقة المعنونة بقول رسول الله (أهل المدينة حربهم واحدة وسلمهم واحد) وهذا ما يعطي المسلمين زخما كبيرا أن دينهم سبق كل الديانات في ترسيخ مبادئ التعايش السلمي بين المسلم وغير المسلم في إطار البيئة الواحدة والوطن الواحد … وان كان واقع المسلمين يشهد بخلاف ذلك حتى فيما بينهم لكن ذلك لا يعني وجود الخلل في منظومة القيم الإسلامية الخالدة بقدر ما ينبغي أن نعترف أن الخلل مجسد في أخلاقيات وتعاملات المسلمين وسلوكياتهم التي تجردت في كثير من الصور عن الإسلام التعاملي والسلوكي إلى إسلام التقليد والتبعية فأصبح المسلم يعتبر انتماءه للدين انتماء وراثيا أو تاريخيا أو لأنه ينتمي إلى أبوين مسلمين أو يعيش في مجتمع مسلم وهذه مصيبة كبرى عندما نكتفي بظاهر الدين ولا نفهم معناه وحقيقته من الداخل … ولا أريد أن أكون متشائما أكثر من التشاؤم نفسه … لكن الواقع الذي ألمسه يعزز هذه النظرة عن واقعنا ليس فقط في اليمن ولكن على مستوى المجتمعات الإسلامية وفي صدد تحليل مشاكلنا استعرض حديثا نبويا يجسد الواقع المنحرف البعيد كل البعد عن منهجه وعن الصورة التي ينبغي أن يكون عليها المسلم وكلنا ذاك المسلم …الحديث نصه (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) انتهى نص الحديث كما ورد دون زيادة أو نقصان والأعظم أننا جميعا متفقون على مدلول الحديث فليس المسلم الحقيقي في فكر الحديث من صلى وصام وزكى .. وإن كانت هذه كمفروضات خاصة بين العبد وربه ولا علاقة للمخلوقين بها في حين أن فقه الحديث يحدد معنى أن يكون المسلم مسلما حقيقيا عندما يتعلق إسلامه الحق بإخوانه المسلمين ويتعلق إسلامي في معاملتي مع إخواني المسلمين من زاوية دينية بحتة متصلة بلغة اللسان ومرتبطة بتصرفات اليد كما عبر عنها الحديث وأترك للقارئ الكريم مواصلة الغوص في مفهوم معنى المسلم من منطلق ومنظور من لاينطق عن الهوي في رؤيته للمسلم الحق واختم هنا بأية قرآنية يغيب عن فهم الكثير منا معناها الحقيقي وان كنا نكثر من تلاوتها مستشهدين بفرضيتها في حين أننا لانستنبط المدلول منها والناتج عنها يقول تعالى في سورة الحجر ( إنما المؤمنون إخوة) آية مكونة من ثلاث كلمات تفيد أن المؤمن لايكون مؤمنا ألا إذا كان مجسدا إيمانه بالأخوة الصادقة وإن لم تتمثل الأخوة في السلوك والمعاملة فلا ينبغي أن ندعي الإيمان وهذا ليس حكما منا على احد ولكنها نظرة بشرية قاصرة وقفت عند مدلول النص وفهمت منه مواصفات ومعايير المؤمن … طالما ونحن نتناول قضية التحليل لمشاكلنا كان لزاما علينا أن ننطلق في رؤيتنا للتحليل المنهجي من وحي القرآن والسنة كونهما علمانا مبادئ الخير وأصول العمران وأرشدانا دائما إلى إعمال نعمة التفكر والتدبر واستخلاص العبر والعظات ويبقي علينا أن نفهم لنفعل فيما بيننا (فقه الأخوة) وهذا النوع من الإصلاحات المجتمعية هو ما نفتقده ونسعى إلى إحيائه …. والله الموفق
mohshman@gmail.com