قضية التسليم ومرحلة العدوان
كمال الكبسي
إن قضية التسليم قضية مهمة وغاية في الأهمية وما أحوج الأمة الإسلامية إلى معرفة هذه القضية التي ذكرها الله لنا في القرآن الكريم وجسدها لنا في معركة أحد ليكون ذلك درساً للأمة الإسلامية عبر التاريخ.
فشل المسلمون في هذه المعركة، ليس لأن المعركة دائماً سجال بين الحق والباطل كما يروج، فالباطل لا ينتصر على الحق أبداً إلا إذا فرط أهل الحق لأن التفريط في حد ذاته عامل هدم، وأيضاً لم يكن السبب أن المسلمين خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من منطلق التمرد لا هم كلهم كانوا معه.. بل لسبب بسيط تسبب في خسارة كبيرة وفشل كبير للمسلمين، وهو الاجتهاد الذي أتى بالتصنيفات والتأويلات من قبل المسلمين الذين أمرهم النبي بالبقاء في جبل الرماة لحماية جيش المسلمين من الخلف، وأيضاً السكوت عليهم من قبل من رآهم من المسلمين وهم يتركون مواقعهم ولم يسارعوا إلى نصحهم بالبقاء أو حتى بالذهاب إلى المواقع بدلاً عنهم.
هذا الاجتهاد من أين أتى؟ صحيح أنه جاء من منطلق حقيقي ومؤكد وأنهم رأوا أن النصر محقق ومؤكد ولن يحدث أي تراجع في ذلك فبنوا على ذلك تصنيفات وتأويلات أن النصر قد تحقق وأنه لا مانع من نزولهم من الموقع لأي سبب وأنه لم يعد هناك أي داعٍ لبقائهم وأن سبب بقائهم قد زال.
كذلك الحال بالنسبة لم سكتوا كان لهم الاجتهاد داخل نفوسهم وكان سبباً لسكوتهم عن الذين تركوا مواقعهم في جبل الرماة وإلا لما سكتوا.
هذا التفريط وهذا السكوت أدى إلى ماذا ؟.. أدى إلى مقتل كل المخلصين الذين يملكون الوعي بعدم التفريط وبعدم السكوت والقيام بالواجب سواء من من بقي من المخلصين في جبل الرماة أو الذين لم يسكتوا على من نزلوا من جبل الرماة.
وأيضاً مقتل الكثير من المسلمين في هذه المعركة لأنهم حينها أصبحوا لقمة سائغة للعدو، بل وصل الأمر إلى الحد الذي كاد المسلمون أن يفقدوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وهذه خطورة التفريط، انقلاب النصر إلى هزيمة بل لولا أن الله صرف المشركين بعد أن حصل التفريط ووقعت العقوبة لهم من الله عندما فرطوا لآلت الأمور إلى ما هو أسوأ, يقول الله تعالى: ” ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ” لأنه كان من المحتمل بعد أن قتل الكثير من المسلمين وتشتت من بقي منهم أن يذهب المشركون إلى المدينة فيحتلوها ويعبثواْ بها لكن الله عفا عن المسلمين وصرف المشركين وجعلهم يتجهون نحو مكة.
على ماذا يدل كل هذا؟ يدل على أن الله ربى المسلمين على الطاعة المطلقة للقائد المؤمن الحكيم فكيف إذا كان هذا القائد هو رسول الله، وعلى أن أمر القائد لا يبدأ إلا من عنده ولا ينتهي إلا من عنده هو وليس بالاجتهاد والتصنيفات والتأويلات من أي منطلق وتحت أي ظرف من الظروف.
وهذا ما ينبغي أن يكون عليه المسلمون تجاه أمر القائد المؤمن وتنبيهاً لهم أنهم إذا ما حملوا هذه النفسية, نفسية التفريط والسكوت تحت أي مبررات، فسيكونون عرضة للهزيمة حتى لو كانوا تحت قيادة رسول الله. وأيضاً عرضة للعقوبة الإلهية في الدنيا.