عبدالحميد الكمالي
ولدّ دون أن يحدث أي ضجيج عام 1929م بقرية بردون كأي طفل يولد بمناطق الريف، حيث كانت الأحلام تصل إلى أن يصبح المولود شاباً مقاتلاً وقوياً ينعش الأرض ويعتني بها , فصدمت تلك أحلام والديه بعد ما يقارب خمسة أعوام من ولادته حينما داهمهُ مرض الجدري مخلفاً وراءه اصابتهُ بالعمى وندب على وجهه , الذي كان يتحسسها يومياً وهو قابع فيما بعد بأحد السجون بسبب قصائده من قبل الإمام , كان يرفض كل ما يقدمه له الساسة من هبايا صفراء , كان أعمى فحاربته الإمامة والتطرف الديني..
أتذكر قبل وفاته حديث دار بين أحد المثقفين حينها وجاره المنظوي تحت حزب ديني يمني كان المثقف يسألهُ عن البردني وقصائده وكتاباته , كنتُ منصدماً واختلف الأمر في عقلي المراهق والجار المتشدد يكفر البردوني ويصفه بالزندقه ويُقر أنهُ لم يقرأ له حتى وإن أغواه الشيطان , هكذا كانت الحلقات التي يلقنها المتخلفون لأتباعهم حتى وإن اصبحوا في أماكن مرموقة بالدولة , بعد وفاته بأعوام قليلة كانت الدعوات في إب تدعوا لتسمية أحد الشوارع في المدينة بشارع البردوني ولم يحدث ذلك بسبب أحد المتحزبين المسئولين الذي عارض وبقوة ليتمم تسميته بشارع بغداد ولم يكلفوا أنفسهم سؤال بغداد ذاتها عن قبولها أو لا كانت ستجيبهم لديكم البردوني وأن اخبروها ما أهم شارع في بغداد كلها , ستجيبهم , شارع المتنبي وستريهم تمثاله وهو يرفع يده مشيراً نحو السماء وبالأخرى يمسكُ معطفه … لماذا البردوني , لأن دراسات عربية وغربية عن شعره وتجربته الشعرية اخبرتنا ذلك وأصدرت الأمم المتحدة عملة بصورته تكريماً له كمعاق تجاوز العجز وواصل التعليم والتأليف شعراً ونثراً ودراسة , لأنهُ البردوني من قصيدة واحد في الموصل تسابق شعراء كبار ليحظوا بالسلام عليه كنزار قباني وعبدالوهاب البياتي وبلند الحيدري ومحمد الفيتوري وكسب احترام العرب بالكلمة , لماذا البردوني , لأنهُ صوت الشعب والمظلومين والحياة والناس , ويرتد السؤال مرة أخرى: لماذا البردوني فيجيبه الصدى مرةً لأنهُ البردوني لم يقتله فقدان بصره فماذا فعل من غيره المبصرون , البردوني لم يعد ذكرى رحيل شاعر مهم لبلد , أصبح البردوني هوية نحملها معنا كجواز السفر , فالكثيرون يعرفون اسم اليمن عبر البردوني وأن أحتار أحدهم في الخارج بأن يصف اليمن يكتفي بالقول أنا من بلد البردوني …