فساد الاسمنت وخطورته في تدمير اليمن
عبدالرحمن علي الزبيب
الاسمنت هو المادة الأساسية في البناء والاعمار عند بناء وتشييد مبنى أو أي منشأة يستلزم ذلك استخدام مادة الاسمنت بكميات كبيرة لبناء الأساسات والأعمدة وجميع هيكل المنشأة بالإضافة إلى أن مكونات البناء الأخرى تكون مادة الاسمنت موجودة بنسبة عالية، فالبلك والطوب والبلاط وغيرها من المواد مصنوع من مواد أساسها مادة الاسمنت لذلك أي فساد في الاسمنت خطير لأنه يسبب تدمير اليمن بتدمير وتهالك وانهيار منشآته الحيوية.
وقد تم تعريف مادة الاسمنت في موسوعة ويكبيديا انه المادة الرابطة الناعمة التي تتصلب وتقسي فتملك بذلك خواصا تماسكية وتلاصقية بوجود الماء مما يجعله قادرا على ربط مكونات الخرسانة بعضها ببعض. وأهم استخدام للاسمنت هو البلاط والخرسانة حيث يربط المواد الاصطناعية أو الطبيعية لتشكل مواد بناء قوية مقاومة للتأثيرات البيئية العادية. يجب عدم الخلط بين الخرسانة والاسمنت، فالاسمنت يشير إلى المسحوق الجاف المستخدم في ربط المواد الكلية للخرسانة.
حيث يتكون الاسمنت من مادتين أساسيتين هما الكلس والطين ومصانع الاسمنت تقوم باستخراج وتكسير تلك المواد من الجبال ويضاف إليها مواد أساسية هي السليس ،والألمين وأوكسيد الحديد والتي يتم سحقها في آلات السحق وتمزجان مع بعضهما البعض بنسب يحددها المخبر ويطحنان في آلات الطحن ثم يتم تمريرها عبر الفرن الذي تبلغ درجة حرارته حوالي 1430م. فينتج حينئذ مادة الكلنكر ويضاف لهذه المادة مواد أخرى بنسب مواصفات محددة ويتم إدخالها آلة الطحن من بعدها نحصل على مادة الاسمنت التي توضع بأكياس ثم تعبأ.
وللاسمنت المستخدم في البناء نوعين هما الاسمنت المائي والاسمنت غير المائي وتعتبر صناعة الاسمنت من الصناعات الإستراتيجية وهي مع ذلك صناعة بسيطة مقارنة بالصناعات الكبرى، وتعتمد على توفر المواد الخام اللازمة لذلك ولكي يقوم الاسمنت بدوره في البناء والاعمار وللحفاظ على استدامة المنشأة يستلزم أن تكون مادة الاسمنت متكونة من نسب محددة من المواد ومواصفات ومقاييس علمية محددة وأي إخلال بتلك النسب والمواصفات يفقد الاسمنت صلابته وقوته ويعرض المنشآت للتدمير والتهالك السريع ويعتبر هذا الإخلال فساداً كبيراً يؤدي إلى انهيار المنشآت العامة والخاصة.
الاسمنت المتعارف عليه عند العامة انه مادة واحدة أو نوع واحد لكن في الواقع الاسمنت أنواع كثيرة ومتعددة قد يصل إلى أكثر من ثلاثين نوعاً من الاسمنت ويختلف باختلاف النسب المكونة لمادة الاسمنت ويقع في مقدمة أنواع الاسمنت (الاسمنت البورتلاندي – والاسمنت البوزلاني – وأيضا نوع خليط من البورتلاندي والبوزلاني ) واختلاف نوع الاسمنت يحدد بحسب الغرض المخصص له وكل نوع مخصص لإنشاء وتشييد منشآت محددة، فالاسمنت المستخدم في بناء الأساس والهيكل الأساسي للمباني مختلف عن الاسمنت الذي يستخدم في بناء وتشييد الجسور والطرقات ومختلف أيضا عن الاسمنت المستخدم في صناعة البلك والطوب والبلاط والتلييس .
والاسمنت المستخدم في قنوات تصريف المياه مختلف عن الاسمنت المستخدم في قنوات تصريف المجاري.
والاسمنت المخصص للبناء في المناطق الباردة والجبلية منخفضة الرطوبة غير الاسمنت المستخدم في المناطق الحارة والساحلية مرتفعة الرطوبة والمقاوم للملوحة.
ومن ضمن المواصفات الجيدة للاسمنت وأنواعه يعتبر أفضل الأنواع اسمنت بورتلاندي بوزلاني بنسب محددة ووفقا للمواصفات لبناء الأساسات والهياكل العامة للمباني والجسور وفي البلك يستحب أن يكون بركانياً بوزلانياً وكذلك بلاط بوزلاني فتكون المنشآت ككل مؤلفة من وحدة متجانسة من الاسمنت البورتلاندي العادي ومن مادة البوزلانا الطبيعية وبذلك نكون قد حصلنا على مقاومة عالية لكامل المنشأ ضد التآكل والحرارة والرطوبة العالية وساهمنا مساهمة فعالة في بناء ذي جودة عالية ومستدام لفترة طويلة وتختلف المواصفات والمقاييس المطلوبة في الاسمنت باختلاف الغرض وأيضا وفقا للبيئة المحيطة بالمنشآت من حرارة الجو والبرودة والرطوبة والملوحة وغيرها .
ما يحصل في اليمن من غياب آلية فحص الاسمنت سواءً المستورد من الخارج أو الذي يتم تصنيعه محليا ذلك الغياب للفحص فساد كبير يعرض جميع المنشآت التي يتم تشييدها للتدمير والانهيار نتيجة تقاعس الأجهزة الرسمية عن دورها القانوني بفحص جميع كميات الاسمنت الموجودة في اليمن قبل عرضها للبيع وتحديد نوع الاسمنت والغرض المخصص له .
اكتب هذا المقال الآن واليمن تعاني من التدمير لعدد كبير من المباني والمنشآت الرسمية والخاصة نتيجة الحرب وستعقب ذلك إعادة إعمار وبناء لتلك المنشآت والمباني المدمرة .
استمرار تقاعس الأجهزة الرسمية من القيام بفحص الاسمنت للتأكد من صلاحيته وعدم انتهاء صلاحيته وكذلك للتأكد من جودته وقوة تحمله ومطابقته للمواصفات العالمية المتفق عليها عالمياً سيعرض اليمن لحرب جديدة هي حرب الإهمال وستنهار جميع المباني والمنشآت وتتآكل في فترة زمنية بسيطة نتيجة حرب جديدة هي حرب الإهمال.
خاصة وان جميع مصانع الاسمنت الحكومية حالياً مغلقة نتيجة الحرب والقصف والتدمير الذي طال تلك المنشآت وهي ثلاثة مصانع ( مصنع اسمنت عمران – مصنع اسمنت البرح – مصنع اسمنت باجل)
قد يتساءل البعض عن الإمكانيات المطلوبة لفحص الاسمنت في اليمن وإمكانية تحقيق ذلك ؟
وللإجابة على ذلك ببساطة أنه توجد معامل ضخمة لفحص مادة الاسمنت في مصانع الاسمنت الحكومية الثلاثة وبالإمكان إيجاد آلية بسيطة وإلزامية لفحص الاسمنت في تلك المعامل قبل دخوله وتسويقه للتأكد من مدى صلاحيته للبناء أم لا وكذلك التأكد من صحة وسلامة الغرض المخصص له.
بالإضافة إلى أهمية التحرك الجاد والمسؤول من قبل الأجهزة الرسمية المختصة لإعادة تشغيل مصانع الاسمنت الرسمية لما لها من دور كبير في توفير الاسمنت بكميات كبيرة في السوق المحلية لتحقيق الاكتفاء الذاتي وفي نفس الوقت تقديم سلعة مناسبة تخلق وتحقق روح التنافس مع مصانع الاسمنت الخاصة في اليمن وأيضا للشركات المستوردة، لأن غياب البديل للمواطن يلجأ المواطن للاسمنت المستورد أو الذي تم تصنيعه في المصانع الخاصة بمواصفات رديئة وعدم وجود بديل أو منافس يضغط عليهم لتحقيق الجودة في الاسمنت.
مصانع الاسمنت الحكومية إذا ما تم تشغيلها ستنتج كميات مهولة من الاسمنت وفقاً للمواصفات العالمية وبجودة عالية لما تتمتع به اليمن من وفرة كبيرة في المواد الأولية والمواد الخام لمادة الاسمنت في جبال اليمن وستشبع السوق المحلية من الاسمنت ذات الجودة العالية بالإضافة إلى تحقيق إيراد كبير للدولة يفوق مبلغ (500,000,000) ريال يومياً إذا تمت إعادة تشغيل المصانع الثلاثة الحكومية في اليمن وهناك هامش ربح كبير جداً في صناعة وتسويق الاسمنت خاصة انه تمت خلال الفترة الماضية توسعة وتأهيل وإدخال خطوط إنتاج جديدة في تلك المصانع بمواصفات جيدة وتجارية سترفع الإنتاج لتلك المصانع وتقلل من تكلفة الإنتاج .
نخشى ويخشى الجميع من استمرار توقيف مصانع الاسمنت في اليمن أن تتعطل وتتآكل المعدات وأجهزة تلك المصانع خاصة وان هناك أجهزة وكروت تشغيل حساسة تتعرض للتلف إن توقفت عن العمل وقد كلفت تلك الأجهزة الدولة ملايين الدولارات يستلزم معه بذل الجهات الرسمية المختصة لجهود ايجابية وسريعة مع الجهات ذات العلاقة وفي مقدمتها الأمم المتحدة لضمان عدم قصف وتدمير مصانع الاسمنت في حال تمت إعادة تشغيلها باعتبار تلك المصانع ليست ذات أهمية عسكرية وهي منشآت مدنية خالصة وتوضيح الآثار السلبية من استمرار توقيف تلك المصانع وفي مقدمتها تشريد وتجويع آلاف العائلات التي تعتبر العمل في تلك المصانع مصدر رزقها الوحيد كون العائل لهم عاملاً أو مهندساً أو موظفاً في تلك المصانع واستمرار التوقف سيؤدي إلى توقف صرف المرتبات والأجور .
خاصة وان هناك طلباً كبيراً في السوق المحلية وتعطشاً للاسمنت خلال هذه الفترة والذي سيرتفع ذلك الطلب بشكل كبير خلال فترة الاعمار بعد توقف الحرب ويستلزم الشروع الآن في تصحيح اختلالات الاسمنت في اليمن وفي مقدمة ذلك وجوب الفحص للتأكد من مطابقة الاسمنت للمواصفات والمقاييس العالمية .
وفي الأخير :
نناشد الجهات الرسمية المختصة سرعة القيام بدورها المنشود في اتخاذ الإجراءات القانونية بإلزامية فحص الاسمنت قبل دخوله السوق الوطنية للتأكد من مطابقته للمواصفات والمقاييس العالمية والشروع في إجراءات تشغيل وتأمين مصانع الاسمنت الحكومية لرفد السوق بمادة الاسمنت وفقاً للمواصفات وإشباع السوق المحلية المتعطشة للاسمنت ولتحقيق الاكتفاء الذاتي من مادة الاسمنت خلال الفترة القادمة، فترة أعمار ما بعد الحرب حتى لا يتحول الاسمنت من مادة إعمار وبناء إلى مادة تدمير وتخريب ونؤكد هنا على أهمية اتخاذ الإجراءات اللازمة والسريعة للحد من فساد الاسمنت لخطورته في تدمير اليمن.
عضو الهيئة الاستشارية لـ وزارة حقوق الإنسان والنيابة العامة