هل أتاك حديث الصراري؟
د. أحمد صالح النهمي
هل أتاك حديث الصراري، وما فعلت في الندى، عاويات الردى، والذئاب الضواري؟ منذ عام يحاصرها قطيع المسوخ، ويجتاحها قبل يومين جيش المليك الخليع، أوله عند سور المدينة مقتحما (حرَّتها) يشعل النار في كل روح، ويجتز أموال سكان طيبة خالصة تحت ظل الرماح، وأعراضها في السبايا سبايا…آخر الجيش عند قصر الخليفة يعلن في الناس أن الأمير سيحضر حفل العشاء ، وسيسجد لله شكرا بما حقق الجيش في (كربلاء) الصراري، وبعد العشاء الأخير سترقص غانية لا مثيل لها في البغايا
الصراري قرى العارفين، بوابة النور والأولياء… مآذنها عامرة بالتراتيل، أسماؤها تعشق الحب والطهر، يغسل العطر ساحتها البكر إن لاح في الأفق فجر، وفاحت نوافذها بالشذى والحكايا، الصراري يغنى على سفح وديانها الطير، مواجيد معشبة في الزوايا، والصراري جبال من الغيم تمطر منها المرايا مرايا…كتاب من الوجد توارثه الطيبون عن الطيبين .
في الصراري يجوس الديار (ابن ارطأة) ويطعم شفرته عنق طفلين غضين ما غادرا آخر العقد في العمر ، وأمهما كالشعراء تهيم على وجهها في البرايا، تردد في الخلق:
يا من أحسَّ بنييَّ اللذين هما
كالدرتين تشظى عنهما الصدفُ
يا من أحسَّ بنيي اللذين هما
سمعي وقلبي ، فقلبي اليوم مختطف
يا من أحس بنيي اللذين هما
مخ العظام، فمخي اليوم مزدهف
نبئت (بسرا) وما صدقت ما زعموا
من قولهم، ومن الإفك الذي اقترفوا
أنحى على ودجي ابني مرهفة
مشحوذة، وكذاك الإثم يقترف
فالآن، لاعن (بسرا) حق لعنته
هذا لعمر أبي بسر هو السرف
من دلِّ والهة، حرى مدلهة
على صبيين ضلا، إذ هوى السلف
الصراري ستبقى على جبهة العصر ، لعنة تلاحق مواويلها كل من حاصروا أهلها، ومن حفزوا الباطشين على قتلها، ومن ساعدوهم، واستأنسوا الطرف عن جذوة النار، والنار تحرق أطرافها، وتمتد نحو البيوت، تلتهم السور والبيت والأهل ، وتسري إلى حيث يرقد (جمال الدين ) منذ أربعمائة عام.
الصراري ستبقى….وسيسقط عرش المليك، ويرحل كل من أوقدوا النار في روحها.