الخليج .. والربيع العربي
د. صادق القاضي
في أحد تصريحاته، اعتبر الأمير الراحل “سعود الفيصل” انتفاضات الربيع العربي، ردود أفعال شعبية على الأوضاع الاقتصادية المتردية في تلك البلدان، بما ينفي البعد الحضاري لها، ويبرر خلو دول الخليج من هذه الانتفاضات.!. غير أن عدم قيام انتفاضات خليجية مزامنة لانتفاضات الربيع العربي الأخرى، قضية تتعلق بعوامل كثيرة مفهومة، تؤجل الأمر، لكنها لا تلغيه، كما جاءت الانتفاضة البحرينيّة، لتفند هذا التفسير المتهافت، وتبرهن أن حاجة الشعوب الخليجية للحرية، لا تقل عن حاجة غيرها للخبز.
منذ البدء، كان من الواضح جيداً، أن الاحتجاجات الشعبية العارمة التي اندلعت في بعض العواصم العربية، لن تلبث أن تندلع في عواصم عربية أخرى، وأن عواصف التغيير، التي اُتفق على تسميتها بـ “الربيع العربي” لن تتوقف في حدود تغيير بعض الأنظمة العربية، بل ستطال بشكل حتمي معظم هذه الأنظمة التقليدية، والمنظومة الإقليمية بتوازناتها التقليدية القائمة برمتها. وهذا -بالنسبة للأنظمة الخليجية – خطر محدق، سرعان ما ستصل موجاته الجامحة إلى مضاربها البدوية، لتعصف بأنظمتها الهشة القروسطيه، وبما لا يحتاج إلى الكثير من الذكاء، بادرت براميل النفط هذه إلى السيطرة على شعلة الثورة، بإبعادها عن خيمها، وجعلها حرائق في بيوت الآخرين.!.
خطوات وقائية استباقية فعلتها دول الخليج من قبل، في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، بحماية نفسها من عدوى النظام الجمهوري، الذي كان حينها ينتشر كالنار في الهشيم، بإفشاله في الدول التي تبنته، وخاصة في اليمن.
في ما يتعلق بالربيع العربي، نجحت دول الخليج حتى الآن بإفشاله، أو كبح جماحه، في مصر وليبيا وسوريا والعراق والبحرين واليمن، ولا بد أن موقفها هذا ستكون له تداعيات مستقبلية خطيرة، من حيث الصور السلبية لها في وعي وذاكرة شعوب هذه الدول العربية، كأسوأ العوامل التي أحبطت توجهاتهم إلى الإصلاح والتغيير. غير أن القصة لم تنته بعد، هناك عوامل أمنية اقتصادية اجتماعية تعرقل الحراك الشعبي الحقوقي في المجتمعات الخليجية، في مقابل عوامل اقتصادية علمية ثقافية إعلامية معلوماتية عولمية تؤثر بقوة في عمق الوعي المجتمعي هناك، ولا يمكن للأنظمة الحاكمة الالتفاف عليها إلا بإصلاحات سياسية، كخطوات وقائية استباقية لحماية نفسها وبلدانها من مصير سيجعل النموذج الليبي نزهة لطيفة بالمقارنة!. (يتبع). …