خاص –
الرشوة آفة وانتشرت في المجتمع اليمني واصبح سلوكا يمارس يوميا في كل مفاصل الدولة وفق مستويات تحددها طبيعة المهمة أو المعاملة المراد إنجازها لتصبح فيروساٍ قاتلاٍ للتنمية فلا يكاد يمر يوم إلا وندفع فيه رشاوى ليس اقلها إن كنت سائقا لسيارتك ونسيت كرت ملكيتها وما خفي كان اعظم .. دروس قاسية تحط من قيمة العمل والإنتاج والنزاهة وتشرعن للثراء غير المشروع المرتكز على سرقة حقوق المواطنين والمماطلة في إنجاز معاملاتهم للحصول على المقسوم ….مشهد يومي يتعايش معه المواطن المغلوب على أمره في اليمن .
الفساد(الرشوة) ظاهرة عالمية فلا يوجد أي مجتمع من المجتمعات سواء في دول العالم الأول أو دول العالم الثالث مستثنى من هذه الظاهرة ولكنها تتباين من دولة لأخرى لكن في اليمن أصبحت الرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ والوساطة من الأمراض القاتلة التي ألحقت افدح الأضرار بالاقتصاد الوطني فالوظيفة العامة تحولت إلى مغنم وفيد وفرصة لا تعوض ولذا تكون الرشوة محددة حسب المنصب فإن كان كبيراٍ فستكون من الوزن الثقيل وإن كان المنصب صغيرا ستكون الرشوة صغيرة وعلى هذا يتم القياس.
الروتين الإداري
ويرى أستاذ الإدارة الدكتور سليم الجناحي أن سبب انتشار الرشوة هو غياب الضمير وانعدام الأخلاق لدى البعض واحتكاك الموظف بالجمهور بصورة يومية.
مؤكدا أن الروتين الإداري في إنجاز المعاملات اليومية يجبر المواطن على دفع الرشاوى من أجل اختصار الوقت والجهد وفق قاعدة (مكرها أخاك لا بطل) بالإضافة إلى تشابك الاختصاصات التنظيمية للوحدات الإدارية وغياب الأدلة الإجرائية المنظمة للعمل ووضوح السلطات والاختصاصات والمسؤوليات الوظيفية والاعتماد على الفردية والشخصية في العمل مما يؤدي إلى استغلال الوظيفة العامة كما أن ضعف الدور الرقابي في الدوائر الحكومية وعدم وجود معايير واضحة للتعيين في الوظائف العامة أو القيادية وهو ما يؤدي إلى سوء اختيار القيادات والأفراد إضافة لعدم تطبيق مبدأ الثواب العقاب وتطبيق القانون على المخالفين أو المستغلين للوظيفة العامة لمصالحهم الشخصية وضعف المسؤولية الإدارية عن الأعمال الموكلة أو المحاسبة عليها أسباب رئيسية لتفشي ظاهرة الرشوة بين الموظفين.
الاقتصاد يرشي
المواطن في اليمن هو دائما من يدفع الثمن في كل شيء فحتى الرشاوى التي تدفع لإدخال السلع والمنتجات تضاف إلى تكلفة السلعة أو المنتج وبالتالي المواطن هو من يدفع في النهاية ويوضح الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالعزيز شمسان أن زيادة التكلفة تعني رفع السعر فمثلا مبلغ مليون ريال دفعها تاجر لموظف حكومي مقابل الحصول على تسهيل معين أو إدخال سلع معينة أو الحصول على مناقصة معينة لن يتحملها التاجر في النهاية لكن في الغالب يتم نقل عبئها إلى طرف ثالث قد يكون المستهلك أو الاقتصاد الوطني ككل أو كيليهما معا حيث يقوم التاجر بكل بساطة برفع سعر السلعة التي استوردها من الخارج أو رفع تكلفة المناقصة ليعوض ما دفعه من رشوة وذلك يعني أن المستهلك الذي يشتري السلعة هو الذي يتحمل عبء الرشوة وقد تتحملها ميزانية الدولة إذا كانت الحكومة هي التي تشتري السلعة إلى جانب ذلك قد تكون السلع المستوردة مخالفة أو المشاريع المنفذة لم تكن وفق المواصفات والشروط المطلوبة و هذا يعني أن الاقتصاد الوطني ككل هو الذي يتحمل عبء هذه الرشوة.
تغييرالمعايير
ويؤكد شمسان أن الأمر الخطير في هذه الظاهرة أنها تغير المعايير التي تحكم إبرام العقود والمناقصات حيث أن التكلفة والجودة وموعد التسليم وغيرها من المعايير المشروعة هي التي تحكم إبرام العقود في الظروف العادية ولكن في ظل الرشوة يصبح المكسب الشخصي للمسؤولين عاملا هاما في إبرام العقود ويقلل من أهمية المعايير الأخرى كالتكلفة والجودة وموعد التسليم و هذا يؤدي إلى اختيار موردين أو مقاولين أقل كفاءة وشراء سلع أقل جودة وكذلك تؤدي الرشوة إلى اتخاذ قرارات حكومية بإنشاء مشاريع أو شراء سلع غير ضرورية وتأجيل مشاريع أخرى ذات أهمية وطنية.
وطبقا لشمسان فإن الحل لهذه الظاهرة هو تطبيق مبدأ الثواب والعقاب وتفعيل الرقابة الداخلية على مستوى الوزارات والمؤسسات الحكومية وإعادة النظر في الإجراءات الإدارية المرتبطة مباشرة بالمواطن.
الدين
الدين الإسلامي كان حازما مع هذه الظاهرة وشرع لها من العقوبات ما يضمن تحصين وحماية المجتمع من فتكها فالرسول (ص) قال: الراشي والمرتشي في النار” فهي عمل لا أخلاقي ويتنافى مع الدين ومع صالح المجتمع ولا تقره المجتمعات ولا الشرائع السماوية كلها أو الصالح العام ولا الضمير الانساني كما يؤكد الدكتور رمضان جمعة احد أعضاء بعثة الأزهر في اليمن .
ويقول: إن الذين يرتشون هذه الأيام يضعون مبررات فمنهم من يقول: أن راتبي قليل وأنا أعطي الدولة على قدر ما تعطيني ومنهم من يقول أنا أعطي وأقدم خدمات وعملي يساوي الآلاف ولا آخذ شيئا مقابلا لها أنفع الناس ولا أنفع نفسي فكل هذا لا قيمة له أمام الله وقت الحساب الذى سيكون عسيرا في الدنيا والآخرة.
ختاما
الرشوة عدوى أصابت كل مفاصل الحياة الاجتماعية والاقتصادية في اليمن وأصبحت من المسلمات لدى المواطن والموظف على السواء بل أن الكثير أصبح مشرعاٍ لهذه الظاهرة ولن نفاجأ يوما بقانون يحمي الأشخاص المرتشين ومع ذلك إذا لم يوجد القانون الحامي لمصالح الموطن ويطبق مبدأ الثواب والعقاب خاصة في الوزارات والمؤسسات المرتبطة بحياة ومعيشة المواطن فالقادم سيكون اشد فتكا.
