الحديدة .. مأساة محافظة تحترق ..!!
عبدالله الصعفاني
أعيش في سجن رؤية مشوشة ومضطربة إلا أن ديوني للحديدة تجعل من الكتابة حول أوجاع ناسها الطيبين ديناً لا تبرأ الذمة إلا به .. لا بأس أن تعتبروه رحلة بحث شخصية عن ذاتي بأوجاع محافظة قدمت إليها طفلاً في الرابع الابتدائي وودعتني جاهزاً لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية بعد الثانوية ،وبلا أي ملمح عنصري تجاه القادمين إليها من رؤوس الجبال .
تلكم العلاقة الروحية القديمة تجعلني أقترب من معاناة الناس هناك من انعدام الكهرباء في صيف لاهب يجدر بكل من يعرف جو الحديدة وظروف أبنائها أن يدعو لإعلانها مدينة منكوبة .. منكوبة بالعدوان الذي منع وصول سفينة المازوت إلى محطة الكهرباء هناك ,ومنكوبة بسبب المسؤول الرث الذي لا يحس والتاجر المهرب الذي لا يشبع ، العصابي المنشغل بالتكسب الجهوي هنا أو هناك غير مدرك لفضيحة نسيان أن الإعلام هو ضمير الأمة ولسان حال الناس .
عندما كان في الحديدة كهرباء كنت أقول أن من حق سكان تهامة أن يقبضوا ممن يحكم بدل عيش في مناخ يتفتت فيه الحديد ويتصدع فيه البشر ، فكيف وقد اجتمع الصيف الحارق مع انعدام الكهرباء بما يجبر البسطاء على مغادرة منازلهم من زلزال الحرارة وفيضان مكاوي الهواء اللاهب، فيما هم كالمستجير من الرمضاء بالنار .
أوضاع مأساوية يعيشها سكان الحديدة لانعدام الكهرباء، وهذا العنف والإرهاب المتمثل في كثرة المتفرجين والمتواطئين وكأنه لا مناص أو مفر من تحويل إعاقة العدوان لسفينة المازوت إلى عقبة كأداء ، وكأنه لا وجود لحوار في الكويت أو سلطة أمر واقع في صنعاء أو فنادق عربية وإقليمية طافحة لأدعياء الشرعية اليمنية ” الوطنية ” !
ثمة معاناة في عدن ، لكن هذه المعاناة تتحول على مدار الساعة إلى ملف وقضية بأبعاد سياسية ودعائية من البريقة إلى دبي، فيما لا كلام جاد أو حتى مزايد عن الحديدة، وكأن هناك إرادة لجعل تهامة الغرب قطاعاً منكوباً دونما رغبة حتى في سماع صرخات الناس .
كل من يتحدثون باسم الشعب يتصنعون العمى ويستمرئون الصنج فلا ينظرون ولا يسمعون صرخات مواطنين وصل الحال بصغارهم أن يتجردوا من ملابسهم في قاعات الامتحانات ، فما كل هذه الأقنعة التي تحجب الرؤية عن مشاهدة من يعيشون في جحيم انعدام الكهرباء، فيما لا يمتلك أبناء الحديدة من الأمر غير الاستغاثة بالفراغ الأجدب .. فهل من المسؤولية الوطنية والأخلاقية والإنسانية عقاب من تتصدر صفاتهم الحميدة أنهم أصحاب القلوب النقية والنوايا الصافية والروح الوحدوية الخالصة ؟
نعرف أن في سماء اليمن وبرها والماء عدوان ولكن.. ما يجب أن يعرفه أصحاب القرار أن المناطق الحارة تبقى الأحق بتأمين ما تحتاجه من الكهرباء من مواد توليد الطاقة الكهربائية بعيداً عن مزايدات وضع العقدة تحت المنشار، فالحياة صاخبة بزحام السيارات وأضواء الآلات العاملة بالوقود والطاقة الشمسية مما يعني امكانية إيقاف كل هذه الأفاعيل بحلول محلية .
الناس البسطاء في الحديدة يعيشون حالة من التفكك في النفسيات فيما مواقفنا أشبه بشكسبيريات ” هاملت وعطيل ” بشهور طافحة بالفقر والغلاء والحرارة ومافيها من قدرة جهنمية على استحضار الأسى .
اطلبوا من محاوري فنادق النجوم السبع أن يفعلوا شيئاً.. اشتروا من مهربين .. افعلوا شيئاً لرفع هذه المعاناة وهذا الظلم الجائر، وليتوقف الجميع عن عنف الإهمال وإرهاب الفرجة .. وكما كانت الحديدة تستغيث فإن المؤكد بأننا لن نكون رجالاً بالقهر ولن نصبح بشراً إلا بالرحمة حيث الصائب والإنساني هو ما ينفع الناس .