اعرف ذاتك..!! (1)
عصام حسين المطري
قليل من الناس لا يكترثون ولا يبالون بالنوازل وعاديات الزمن، ولا تغيرهم الوقائع والأحداث، وهم راضون بما قسم الله سبحانه وتعالى، وبما قدر في لوحه المحفوظ ليبيت المرء منهم قرير العين والفؤاد، والكثير من الناس يعيش قلق الفؤاد مضطرب النفس،تزعزع من ثباته اليسير من النوازل، والنزر البسيط من عاديات الزمن لتضعضع وتخلخل من يقينه بعض الوقائع والأحداث الأليمة، حيث يرجع ذلك ويعود إلى حزمة متكاملة من الاعتلالات النفسية وإلى منظومة متكاملة من الاختلالات في مستويات التفكير, هذا فضلاً عن اضمحلال الثقافة والانشغال في دراسة نفسيات الآخرين تمهيداً للسيطرة عليهم والتأثير فيهم على طريق إهمال ذواتهم إهمالاً شديداً للغاية.
فالحياة جميلة وأجمل ما فيها العيش الهادئ, إذ بمقدور الإنسان كائناً من كان أن يحيط عش حياته بعوامل الأمن والاستقرار، فبدلاً من سبر أغوار نفسيات الآخرين يجب على الفرد العاقل الناجح أن يكتشف ذاته ويمعن الإبصار فيها قال الله سبحانه وتعالى في محكم الآيات البينات لافتاً نظر الإنسان إلى هذه المهمة حينما قال: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)، فبلوغ القمم الشامخات والروابي السامقات لا يتأتى إلا من خلال هذا الصنيع وذلك الجهد الجهيد من الصبر والمصابرة على الأبصار في النفس ومحاولة اكتشاف الذات اكتشافاً يليق بعظمة المهمة والمسؤولية والدور الذي يضطلع فيه الإنسان الفرد بمفرده أو بانعكافه مع الجماعة والأخلاء والأقران والأتراب في الحياة البسيطة.
وما يزال المرء في بحبوحة من العيش ما لم ينشغل بذوات الآخرين مقدماً دراسة نفسيته على الاهتمام بذواتهم أجمعين، فمن لا يحسن الاختيار لذاته لا يحسن الاختيار لغيره، فالإنسان العاقل يجعل من اكتشافه لذاته سبيلاً وطريقاً إلى اكتشاف ذوات الآخرين بغرض سلاسة قيادتهم والتأثير فيهم في إطار العمل بهدف تحقيق غايات وأهداف ذلك العمل، فالقائد الفذ على دراية كاملة بما يصلح من أمر مجموعته ذلكم لأنه خبر القيادة وتربع على كرسي الإنجاز، وقد ضرب على نفسه أطناب المعرفة والثقافة، فالقائد كثير المداومة على الإطلاع، فمن القادة من يقرأ في اليوم والليلة عشر ساعات، ومنهم من يقرأ في اليوم كتاباً، ومنهم من يقرأ في اليوم أربعين صفحة من القطع الكبير .
المهم أن القائد يداوم على القراءة والإطلاع في شتى مجالات الحياة لتتعدد معرفته ويصلح من حال أمره بعد اكتشاف ذاته اكتشافاً يجعله في الصدارة، وفي قمة الريادة ينهض إلى تحمل مسؤولياته بكل لهفة وشوق، ويصيب جام غضبه على الركود والتبعية.