لحظة يا زمن…استعادة
محمد المساح
لم أنساه صاحبي.. وإن يكن النسيان ميزة هذا الزمان؛ لأن الصورة التالية تمحي الصورة السابقة لها.. والكلمة تطمس حروفها مباشرة بعد أن تلتف الهاء في دائرة التاء المربوطة.
يأتي طيفه في حين أكون متكوّماً كالطير المبلول، فاجأه المطر بعيداً عن عشه.
يأتي حين يشملني إحساس بالعدم، وتلك العزلة التي تحيل الإنسان للتلاشي وكأن لا كون هناك ولا حياة.
يأتي.. أو يتراءى إليَّ من بعيد.. أنه يأتي.. يقترب.. أتملى ملامحه وما زالت تلك الابتسامة الجذلى تنوِّر الوجه، وتلك النظرة الصافية، نظرة الطفل الأولى وهي تمسح الفضاء.
يأتي من بحر الذاكرة طائر نورس، يرتسم ظله، على متن الموجة وهي تنعطف على أمل الساحل.. يأتي بتلك النظرة الحانية التي لا تعرف الحقد أو الالتفاف.
في لحظة الحضور تلك استعادة واسترجاع كيف يتسنى للذاكرة استعادته، واستكمال كل تفاصيله.. ولماذا هو بالذات صاحبي.. وكأن الصحاب كثر، غابوا معه وما رجعوا.
يأتون في الحين النادر.. قد يمكثون لحظة.. لحظات، ثم يرحلون كما رحلوا.
كيف تصطفيه الذاكرة.. وينبثق مع مجيء طيفه.. سلال من وقائع ذلك الزمن، وصدى الضحكات وهي تتردد وترن في النفس والروح في ذلك الزمان الجميل.
تتراجع كل أنواع الضجيج، وتخفت ترجيفات الضجة والأصوات.
لا أدري، كيف يطيب التأمل في لحظة مجيء طيفه.. أهو الحنين –حين تتجدَّدْ الروح والنفس- إلى ذلك الصاحب، وهل حقيقة أن الذاهب لا يعود؟!..
أهو التعويض عن المستحيل.. أم تخيل؟!.
أم لحظة خارجة عن سياق الزمن؟!.
لكنها ضراوة الذاكرة حين تستعيد وجهاً لا يغيب..!