الحوار طريقنا إلى الحكم الرشيد
–
إن للحوار في القرآن والسنة دلالات ومعان/ ويراد به الجدال والنقاش بين طرفين أو أطراف لحل قضية أو قضايا والوصول إلى صيغة موحدة لحل قضية أو مشكلة أو معضلة طرأت والحوار أصبح من ضرورات الحياة وفي العصر الحالي على وجه خاص سواء كان بين الأسر أو الأفراد أو الدول وأي اختلاف ينشأ لا يكون حله إلا في حوار هادئ متزن بجمع أطرافه أو من ينوب عنهم من العقلاء الحكماء والحوار اليمني له نكهة خاصة واهتمام دولي كبير وحضور عالمي وشروطه بينها بإيجاز عميد كلية الدراسات الإسلامية بالأزهر الشريف بقوله / يراد بالحوار والجدال في مصطلح الناس مناقشة بين طرفين أو أطراف يقصد بها تصحيح كلام أو إظهار حجة وإثبات حق ودفع شبهة والرسول صلى الله عليه وسلم رسم أروع الأخلاق في الحوار وأحسنها وأسماها وأنبلها لأنها مطلب آلهي أوصى الله به رسوله في كثير من الآيات القرآنية العظيمة ويرى الإسلام أن الاهتمام بالحوار طبيعة إنسانية ثابتة بطبيعتها وفطريتها وتمتد إلى ما بعد الموت قال تعالى ( يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ) وللحوار أصول وآدب وآخلاق ومنها الإخلاص وحسن الخطاب وحسن الاستماع وأن يكون في حدود ما هو مطلوب والبعد عن التنطع والتجريح والإصرار على رأي من طرف دون آخر والابتعاد عن العجب بالرأي والنفس وعدم الاستعجال وخفض الصوت والتواضع وإقامة الأدلة والبراهين فما هو صحيح ومطلوب للنقاش وعدم تحقير الآخرين أو انتهاك شعورهم والحوار الهدف منه هو إصلاح الوضع بتقارب وجهات النظر وإزالة كل شبهة وتصحيح المسار والوصول إلى فكر مقتنع ورأي موحد يقول عبد الكريم بكار : الحوار الهادئ المنتج هو الذي يستهدف النفع المتبادل وليس الاستحواذ والاستيلاء .
ـ اليمنيون اجمعوا رأيهم على الحوار واعتماده لحل الأزمة القائمة وهو وسيلة حضارية سينهي كل خلاف قائم بين كافة المكونات السياسية وهو الضمانة الحقيقية للوصول إلى السلطة باعتماد الانتخابات القادمة لإقامة دولة مدنية إسلامية حديثة والحوار أيضا سيزيل كل الخلافات ويقارب من المسافات لأنه الوسيلة والطريقة للإقناع وأيسرها على النفوس بالحكمة وحسن الخطاب والحمقى وحدهم الذين يحتقرون الحكمة ويبغضون هذه الوسيلة الحضارية يفتقدون الحقيقة والخضوع للمنطق ولا يراعون المصلحة العليا الوطنية العامة هدفهم تجزئة الأمة وتعصبها ولا يعيشون إلا في ظل التشتت والتمزق والصراع هذه عقولهم الصغيرة وأفكارهم المتردية وقلوبهم الضيقة أعداء لنفوسهم ولوطنهم واليمنيون وهم بذلك لا يشعرون وفي الأصل والأمة اليمنية موحدة العقيدة والرأي يعيشون على جغرافية واحده وهكذا خلقهم الله عز وجل .
قال تعالى ( وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ) (92 الإسراء ) .
ـ الحوار نتعشم فيه الخير الكثير لليمن واليمنيين لا سيما والنخبة المختاره خليط من كل الأطياف السياسية بما فيهم من النساء شقائق الرجال وليكن الحوار شاملاٍ كاملاٍ لإنارة الحق وتبيينه والوصول إلى الصواب وحل كل المعضلات والمشاكل العالقة قال بن الجوزية رحمه الله : المجادلة إنما وضعت ليستبين الصواب وقد كان مقصود السلف المناصحة بإظهار الحق وقد كانوا ينتقلون من دليل إلى دليل وإذا خفي على أحدهم شيء نبهه الآخر لأن المقصود إظهار الحق .
ـ الحوار قربة المتحاورين إلى الله وعمل صالح قبل أن يكون عملاٍ وطنياٍ وإنسانياٍ وهو من صلب الدين ومن الأعمال الصالحة لأنه بإيجابياته وضوابطه سينجو المتحاورون باليمن من فتنة كبيرة وخطيرة تهدد البلد ومن أزمة خانقة وعاصفة محدقة بوحدته وأمنه واستقراره وبالحوار ستعاد اليمن إلى أمنها واستقرارها وتماسكها وتسودها قيم العدالة والمواطنة والسلم الاجتماعي.. وثقتنا أن رجال الحوار هم من أقطاب الفكر ورموز الثقافة وأعلام المعرفة ورجال السياسة من الأحزاب المختلفة والشخصيات القبلية ومن رجال الدولة جميعهم أكفاء لهذه المهمة وهذا ما نعتقده لأنهم قد حملوا الأمانة ولا رقابة عليهم إلا الله وضمائر أنفسهم وكل عمل إيجابي يعملوه لصالح البلد لا شك أنه عمل طيب يقربهم إلى الله عز وجل قال تعالى ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) (7 ـ البينة ) والمتحاورون عليهم أن يتقوا الله في مهمتهم الشاقة وأمانتهم الوطنية التي أوكلت إليهم من كل اليمنيين وأن يكونوا أهلا لحمل الأمانة وأداء الرسالة وعمل كل عضو في لجنة الحوار عمل لكل اليمن واليمنيين والعمل ليس لحزب أو فئة أو قبيلة والمكافأة مجزية من عند الله ولن يكافأ إلا من أتقى الله وعمل لله ولهذا الوطن ثم توفى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ) (281) سورة البقرة .
وقال تعالى ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) (128) سورة النحل .
وحشر المتقون إلى الله طاعمين كاسيين راكبين نتمنى أن نكون والمتحاورين من هؤلاء منهم من الصف الأول عن أبي ذر رضي الله عنه قال حدثني الصادق المصدوق أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج فوج طاعمين كاسيين راكبين وفوج يمشون وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم ( حديث أخرجه أحمد والنسائي والحاكم في المستدرك ) والفوج الأول هم المتقون والثاني أهل الكتاب وفوج عبدة الأوثان إلى النار وفي حشر المؤمنين إلى الرحمن وفداٍ على النجائب في الحشر الرابع إلى الجنة .
قال تعالى ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا )(85 ) سورة مريم وفي الحديث النبوي الشريف الذي أخرجه البيهقي في البعث والنشور قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنهم يؤتون بنجائب من الجنة يركبونها).
ـ اليمنيون ينتظرون من أخوانهم في لجنة الحوار الوطني الشامل الحوار الصحيح المفيد والعمل بجد وإخلاص وصبر وتفان وفي حالة من الانسجام والتقارب وعامل الرفق واللين والصراحة والمصداقية والشفافية يجب أن يسود جو الحوار حتى يتم معالجة الأزمة القائمة والفتنة ومستجداتها على الساحة ووقائعها التي عملت على تأخير البلاد في شتى المجالات العمرانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلاقات الداخلية والدولية والتي أفرزتها مرحلة التغيير وبلادنا لا شك أنها زاخرة بالكفاءات والقيادات وليست عقيمة بالرجال وأنتم من الرجال تملكون الكفاءات في النقاش والحوار وتحملون عقولاٍ واعية تدرك المسئولية وحجم الأمانة وخطورة المرحلة وعندكم القدرة على مواجهة الصعاب والمعضلات وحلها بصبر وعليكم تحويل الأقوال إلى أفعال والشعار إلى ممارسة والفكر إلى تنفيذ وإخراج اليمن إلى شاطئ الأمان بالسلامة وبأقل ثمن . أجعلوا تقوى الله شعاركم تفلحون في حواركم ولا تلتفتوا إلى سلبيات الماضي وتسلحوا بالصبر والخلق الحسن والكلمة الطيبة والقبول بالرأي الآخر ومناقشته والبعد عن سوء الظن بالآخر والقدح والطعن واللمز والتعنيف والتوبيخ جميعها يجب اجتنابها المرحلة دقيقة وحرجة كونوا على حذر من السلبيات الماضية ورب صبابة غرسة من لحظة ورب حرب جنيت من لفظة .