خليل المعلمي
اختار الكاتب عبدالله قيسان عنوان “مواقف ثقافية” لكتابه الذي أصدره في العام 2013م عن مركز عبادي للدراسات والنشر ليعبر من خلاله عن الموقف الذي لابد أن يتخذه المثقف اليمني والعربي تجاه المجريات الثقافية وما تواجهه الثقافة العربية عموماً واليمنية خصوصاً من تقهقر وتدنٍ بفعل عوامل كثيرة.
فالكتاب الذي يضم بين دفتيه 126 صفحة من القطع المتوسط يتبنى مواقف ثقافية تحررية منبثقة من صميم مشروع الثورة العربية التي بدأت في منتصف القرن العشرين وأخذت تنمو وتمتد بقوة وحماس الجماهير العربية الثائرة حتى مطلع السبعينيات حين بدأ التراجع والهدم الذي أوصلنا إلى هذا الوضع من الانحطاط والهزائم.
كما يطرح الكتاب قضايا ثقافية عربية مهمة سيطرت على المشهد الثقافي العربي وأثرت على مساره الحضاري وهي إفراز للهزائم المتكررة والظروف الصعبة التي عاشها الوطن العربي منذ نكسة 1967م.
ويستعرض الكتاب أهم المعوقات التي تنامت وكبرت حتى أصبحت تحديات أمام الثقافة العربية ومن أهمها إمعان الأنظمة العربية في استخدام الدين والزج به في الصراع السياسي الدائر بينها وبين الشعوب، حتى فقد جوهره وأهدافه النبيلة وزادت المغالاة فيه.
وإذا كان هذا الكتاب لم يقدم المعالجات كما يقول المؤلف في المقدمة فهو على الأقل يحدد مكامن العلل أو السلبيات التي أدت إلى الانحطاط الثقافي الذي تعاني منه الأمة العربية اليوم، من خلال موضوعات الفصل الأول فالمؤلف يؤكد أن الأنظمة العربية وإن امتلكت مؤسسات ثقافية عصرية لكنها ديكورية لأنها لا تمارس الثقافة العصرية على أرض الواقع وإنما تتظاهر بها أمام دول العالم المتقدمة مثل الاتحاد الأوروبي وأمريكا، وبالتالي فما فائدة الديمقراطية والانتخابات ومنظمات حقوق الإنسان إذا كانت السلطات تدور من الجهة الأخرى لتشتري الأصوات والذمم، أو تعتقل صحفياً أو تصادر كتاباً لمجرد رأي؟ وبالتالي فإن الثقافة العربية تواجه تحديات قوية وخطيرة حتى تقوم بدورها الوطني والحضاري من أجل تحرير الإنسان من الجهل والفقر والمرض والعبودية.
وعدّد المؤلف عدداً من التحديات منها إشكاليات الأنظمة العربية والأفكار الرجعية كما استعرض في هذا الفصل أزمة النقد العربي المعاصر بسبب عدم وجود أدب يعمل ضمن مشروع ثقافي مواكب يساعده على النهوض والازدهار لينهض ويزدهر النقد.
أما في الفصل الثاني فقد استعرض المؤلف بعض الجوانب في فن القصة القصيرة التي سمحت بها ظروف التواصل الثقافي المعقد في وطننا العربي محاولاً التركيز في هذا الموضوع على بعض الجوانب الفنية في هذا الفن التي دائماً تقفز عليها أغلب الدراسات النقدية.
ورصد المؤلف بعض الصعوبات والمعوقات في طريق فن القصة منها عدم وجود مجلة خاصة بالقصة القصيرة تعنى بإنتاج المبدعين في هذا المجال ومحدودية الجوائز التشجيعية، وندرة الإصدارات القصصية، وغياب النقد الذي ساهم في إيجاد النظرة الدونية للقصة القصيرة من قبل الهيئات الثقافية والإبداعية والقراء، وازدادت الهوة بين الجمهور وفن القصة، وكذلك غياب دور الثقافة والإعلام في تحويل مواد هذا الفن إلى دراما تلفزيونية أو إذاعية على الرغم من أن هذا الفن قد تصدر الفنون الأدبية في عصر السرعة الذي نعيشه واستحسنه القراء من كل المشارب.
واستحوذ الفصل الثالث من الكتاب على الغناء الشعبي واعتبر المؤلف هذا الموضوع مثار نقاش طويل في اليمن والخليج ولازالت الصحف تتجاذبه باهتمام، حيث يحاول المؤلف إثبات أن الأغنية الشعبية تنقسم إلى قسمين هي أغنية شعبية تراثية وأخرى شعبية معاصرة، محاولاً الاختصار في هذا الموضوع كون الكتاب يشمل مواضيع ثقافية عديدة.
ويقول: إن الأغنية الشعبية التراثية لها سمات وخصائص أكسبتها هذه الصفة فهي مجهولة اللحن والكلمات والسبب أنها أنشئت قبل التدوين لهذا أصبحت ملكاً عاماً للشعب، ومن ميزاتها أنها أحادية الإيقاع وقريبة إلى أذواق الناس وهذا الإيقاع يمارس مع الرقص مهما اختلفت الكلمات كما أنها ذات معان بسيطة، أضف إلى ذلك سعة انتشارها في الشارع أو الأحياء الشعبية وتقبلها لدى الناس وبالتالي فهي منتجة جماعياً ومعبرة عن الذوق العام ومن أمثلتها أغنية “البالة” و”قمري شل بنتنا” وغيرها.
أما الأغنية الشعبية المعاصرة فهي تلك التي عاصرت التدوين وهي تشترك مع الأغنية الشعبية التراثية في صفة الشعبية التي تعني العمومية وتدخل ضمنها البساطة في المعنى وتقبل أغلب الناس لها وارتباطها بهموم أغلب الناس وسرعة انتشارها.
وتختلف الأغنية الشعبية المعاصرة عن التراثية بأن مؤلف الكلمات معروف وصاحب اللحن معروف وتؤدى بآلات موسيقية متطورة مثل العود والكمنجة والقانون والكمان وغيرها.
واستعرض المؤلف في هذا الفصل ألوان الغناء اليمني الذي يصنفه البعض أربعة ألوان هي: صنعاني، حضرمي، يافعي ولحجي، فيما البعض يضيف إليها اللون العدني كلون له مميزاته وجمهوره.
أما في الفصل الرابع فقد كان للمسرح حضوره حيث سلط المؤلف الضوء على أنشطة المسرح في محافظة أبين الذي كان ينافس مسرح العاصمة عدن قبل الوحدة واعتمد في هذا الجانب على مذكرات كتّاب ومخرجين مسرحيين مثل الأستاذ عثمان عبدربه، والقاص والمسرحي محمد أحمد عيسى، والمخرج محمد أحمد القميشي وغيرهم.
وأوضح أن النهوض الثقافي والاجتماعي وتغيير التركيبة السياسية والاقتصادية في المناطق الجنوبية والشرقية قبل الوحدة وبالتحديد بعد الاستقلال كان له الأثر الإيجابي على الأنشطة المسرحية ودفع بها إلى الأمام، إضافة لما لقيته من الرعاية الحكومية والاستجابة الجماهيرية.