العدوان على اليمن.. الأبعاد والتداعيات “6”
عبدالله عبدالرحمن الكبسي
3- نبذه تاريخية موجزة عن الحركة الوهابية وأول ظهور لها على مسرح الأحداث باليمن:
في كتابه النفيس الموسوم بـ(درر نحور الحور العين بسيرة الأمام المنصور علي, وأعلام دولته الميامين) وهو الكتاب الذي عنيت بطبعه وإخراجه وزارة الثقافة اليمنية وقام بمراجعة نصوصه وتحقيقه عارف محمد عبدالله فارع الرعوي يذكر المؤرخ اليمني – لطف الله احمد جحاف:-
إن أول ظهور للوهابية في اليمن يرجع إلى العام 1189هـ 1775م عندما غزا النجديون على عهد عبدالعزيز بن محمد بن سعود –بعضاً من نواحي– نجران اليمنية فواجهتهم آنذاك قبائل –يام- الهمدانية المشهورة وهزمتهم في معركة كبيرة وصفها جحاف بالملحمة.
ومما يمكن ملاحظته هنا بصفة خاصة هو أن هذا الاصطدام المبكر للغوازي النجدية بالقبائل اليمنية ربما جاء لغرض الغنيمة والانتهاب– وربما لجس نبض هذه القبائل وتقدير حجم قوتها ومدى صلابتها واستعدادها للمواجهة نظراً لتأخُّر الاجتياح الوهابي للمخلاف السليماني وتوالي الغزوات إلى أراضيه بقصد إخضاع قبائله لسلطة نجد وإدخالها عنوة في نحلتها لما يقارب ثلاثة عقود– من بعد ذلك الصدام البكر وهذا من جهة.
ومن أخرى فلعل مما زاد الوهابيين شهرة في اليمن آنذاك هو-مكاتبة العلامة- محمد بن إسماعيل الأمير –لرئيس نحلتهم ومبتدع دعوتها– محمد بن عبدالوهاب الدرعي التميمي- بقصيدة مطولة أشاد فيها بدعوة هذا الأخير ممتدحاً طريقته فيها طبقاً لما كان قد نمى إليه من محاربه المذكور للبدع والحظ على اتباع منهج السلف في التمسك بالكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة ومستهلاً قصيدته تلك بقوله:
سلام على نجد ومن حل في نجدِ
وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي
لقد صدرت من سفح صنعاء سقى الحيا
رباها وحياها بقهقهة الرعد
سرت من-أسير– ينشد الربح ان سرت
ألا يا صبا نجدٍ متى هجت من نجد
ثم يمضي الأمير في قصيدته مخاطباً الريح فيقول:
قفي واسألي عن عالم حل سوحها
به يهتدي من ضل عن سبل الرشد
محمد الهادي لسنة أحمدٍ
فياحبذا- الهادي وياحبذا المهدي
ويواصل العلامة الأمير – واصفا حال ابن عبدالوهاب – وما ووجه به من- إنكار كل الطوائف لمأتاه, وما جاء به ولكن بلا حجة من المنكرين ولا برهان أو على حد تعبير – الأمير نفسه (بلا صدر في الحق منهم ولا ورد), وعلى هذا المنوال من الانتصار– للرجل وتوهين جانب المنكرين عليه يمضي – الأمير رحمه الله في قصيدته – مؤكدا على معنى فقهي ومنطقتي غاية في الدقة والسمو فيقول:
وما كل قول بالقبول – مقابلٌ
ولا كل قول واجب الرد والطرد
سوى ما أتي عن ربنا ورسوله
فذلك قول جل قدراً عن الردَّ
وأما أقاويل الرجال فإنها
تدور على قدر الأدلة في النقد
على أنه رحمه الله تعالى, وهو العالم الجليل والناقد الذي يتحرى موضع كلماته ويحسب لها الحساب كله ما لبث أن أردف هذه التقديرات المعرفية الفائقة منتفيا في أغلب الظن مما قد يوحي ظاهرها من تأييد للرجل إن كذب النقل أو كان الواقع من حال الرجل بعكسه فهو يردف قائلاً:
وقد جاءت الأخبار عنه بأنه
يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي
وإذن – فإن العلامة – ابن الأمير- رحمه الله إنما بنى رأيه في تأييده للرجل وإعجابه بدعوته على أساس مما كانت قد جاءت به الأخبار على بعد الدار عن الدار, وجهالة حال الناقل آنذاك للأخبار: ومن هنا – ومع ما ينبغي ملاحظته من كون – ابن الأمير – قد بلغ من الشهرة آنذاك باعتباره– إماما في العلوم مجتهداً إلى الحد الذي أصبح معه قبلة القصاد من أهل العلم وطلابه من داخل اليمن وما حولها, وسواء بالمشاهدة أو المراسلة- الأمر الذي يفتح الباب للإحتمال والتظني بشأن حَمَلَهِ تلكم الأخبار إلى – ابن الأمير – وحقيقة أحوالهم في نقلها وكيفية إيقاعها في مسمعه آنذاك .
بدليل أن الأخبار المغايرة تماما لما كان قد ألقي في روعه أولاً عن أحوال – ابن عبدالوهاب وطريقته في ممارسة الدعوة, وربما هذه المرة من قبل من كانوا قد أفلتوا من سيوف أتباعها من أعراب نجد وأجلافها التكفيريين, فلنستمع إلى – لطف الله جحاف – في تاريخه المشار إليه, وقد كان وثيق الصلة بأستاذه – ابن الأمير رحمهما الله، حيث يقول عن القصيدة التي نحن بصدد الحديث عنها.. ولما وصلت هذه الأبيات إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب عظمت نفسه عليه و”تجرأ بهذه الطريقة” على سفك الدماء “8” وتكفير أهل الأرض فكتب البدر المنير محمد بن إسماعيل الأمير أبياتا يصف رجوعه عما قاله في النجدي وبين سبب غلطة فقال:
وهنا يورد جحاف نص القصيدة الأخرى التي رجع فيها ابن الأمير عن مقاله الأول عن النجدي كما في القصيدة السابقة التي نقلنا بعضا من أبياتها آنفا.
ولعله يحسن بنا الآن وقبل أن نأتي إلى نقل ما يلزم نقله من أبيات القصيدة الثانية لابن الأمير أن نشير هنا إلى ما لا غنى لنا عن الإشارة إليه تعقيبا على قول المرحوم جحاف آنف الذكر أو لنقل: استيحاء فحوى النص والترقيم على هامشه فنقول:
إن مما لا شك فيه ولا مراء بأن ابن عبدالوهاب الذي قوبل أسلوبه في الدعوة بداية بالإنكار الشديد من كل الطوائف الإسلامية قد سر أيما سرور بقصيدة البدر الأمير وما تضمنته من الإشادة الجهيرة بالرجل ودعوته حسبما كانت قد نقلت إلى ابن الأمير وأنه أي أبن عبدالوهاب قد استغلها أبشع الاستغلال ولعله أن يكون قد تمادى في سفك المزيد من الدماء على ذمتها الأمر الذي لا نشك بأنه قد أفزع ابن الأمير أشد الفزع ولذلك نراه وقد صح له هذه المرة من حقيقة مسلك الرجل في نحلته الغريبة وطبيعتها الدموية خلاف الذي كان قد وقع إليه عنهما أولا نراه يهب مغضبا جداً بعد أن أخذ وقته في تحقق أحوال الرجل ليعلن رجوعه الصريح عما قاله في الرجل وعنه أولاً والتبرؤ من أفعاله الشنيعة في حق المسلمين ومفنداً بالحجة الدامغة والبرهان النير ما زخرفه الشيخ النجدي من مسوغات تلكم الأفعال قائلاً في قصيدة من نفس الوزن والروى:
رجعت عن القول الذي قلت في النجدي
فقد صح لي عنه خلاف الذي عندي
ظننت به خيراً وقلت عسى عسى
يرى ناصحا يهدي العباد ويستهدي
فقد خاب فيه الظن لا خاب نصحنا
وما كل ظن للحقائق لي يهدي
وقد جاءنا من أرضه الشيخ مربد
وحقق من أحواله كلما يبدي”9″
وقد جاء من تأليفه برسائلٍ
يكفر أهل الأرض فيها على عمد
ولفَّق في تكفيرهم كل حجةٍ
تراها كبيت العنكبوت لدى النقد
وهكذا وتحت تأثير الصدمة المستوجبة حتما ويقينا مما صح له بالنقل والاطلاع عن – الشيخ النجدي – يمضي العلامة ابن الأمير بإحساس المؤمن الغيور على دين الله،والمشفق على عباده من تلبيس الغلاة، وتخرصات الموسوسين المتنطعين فيه مفنداً دعاوى – الشيخ – في تكفير أهل الملة ونسبتهم إلى الشرك ومبينا كذلك وبمنطق العالم العارف وبصيرة الناقد المستوعب لحقائق تلكم المسائل الخطيرة وضوابطها الجامعة المانعة بأدلتها المعتبرة من كتاب الله العزيز وهدي رسوله الكريم فذلك حيث يقول من نفس القصيدة النفيسة إياها:
تجارى على إجراء– دماً– كل مسلمٍ
مصلٍ مزكٍ لا يحول عن العهد
وقد جاءنا عن ربنا في براءة
براءتهم عن كل كفر،وعن جحدِ
وإخواننا سماهم الله فاستمع
لقول الإله الواحد الصمد الفردِ
ولعلَّ – ابن الأمير – رحمه الله، يشير هنا إلى الآية رقم (11) من سورة (براءة) التي تثبت للمعنين بها، وهم في الأًصل من المشركين تثبت لهم – الاخوة في الدين – من بعد أن تابوا، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، فإذا كان هذا هو حكم الله عز وجل فيمن كان كافراً مشركاً ثم اهتدى ودخل في جملة المؤمنين بدلالة – الصلاة والزكاة – فكيف بمن وُلد على ملة الإسلام وأدى فرائضه كاملة، ثم هو لا يقبل منه، إلا أن يعلن إسلامه من جديد، ويُسام على البراءة من آبائه وأمهاته والشهادة عليهم بالكفر والضلال، يا لِلَّه ويا للإسلام؟ ورحم الله – محمد بن اسماعيل الأمير – لقد أدرك ببصيرته النفاذة خطورة دعوة – الشيخ النجدي – على حاضر الأمة آنذاك وقابلها وما سيلحق عامة المسلمين من الأذى والعنت الشديد (جراها) فهو لأجل ذلك يقتدح زناد فكره وينتخل مخزون فقهه وعلمه موضحاً منهج الحق والرشاد ومعذراً إلى الله والخلق فيما يجب عليه من – التبليغ والافهام – وبلهجة لا تخلو أحيانا من – التقريع والاستهجان – لمن يستحقه من ذوي اللجاج والمعاندة، فلنستمع إليه وهو يوجه سهام الحق والصدق قائلاً: (10)
وقد قال – خير المرسلين – نُهيت عن
فما باله لم ينتهِ – الرجل النجدي
وقال لهم – لا – ما أقاموا الصلاة في
أناسٍ – أتوا كل القبائح عن قصدٍ
نعم ( يا سيدي ومولاي) فما باله لم ينتهِ الرجل النجدي؟ سؤال نبض به شعورك وجرى به يراعك منذ عام (273هـ) وهو هو لم يزل يتردد في مسامع الأجيال، بل ويتعالى ترديده في شتى أصقاع الدنيا، وبمختلف الألسن واللغات، ولكن وكما أن – نجدي عصرك – يا سيدي قد تصامم عن سؤالك إياه، ومضى في غيه وعُجبه بنفسه كأنه لم يسمع، أو أن في أذنيه وقرا، فكذلك اتباعه وأحفاده من أمراء الجور ومشائخ الفتن والتكفير ما انفكوا عاملين بسيبه ونحلته، دائبين في تقفي نهجه وأثره على تعدد الوسائل وتضخم الإمكانات كما هو معروف.
وإذا كان واقع الحال من نجديي العصر وأبواقهم الفتنوية يشهد لهم بحسن الاتباع، كما بسوء التأثير وامتداده المريع إلى شتى بقاع المعمورة، فإن سلفهم القديم في نسخته الثانية، على عهد ابني المؤسسين، عبدالله بن محمد عبدالوهاب، وعبدالعزيز بن محمد بن سعود، ما لبثوا أن عاودوا غزو الأراضي اليمنية، نجران وعسير وجيران، بدءاً من العام 1215هـ حيث أمكن لهم إدخال الكثير من أبناء –المخلاف السليماني – في نحلتهم،واتخذوا من بعض وجاهاته نوابا لهم يأتمرون بأمرهم، ويتعهدون بمحاربة من يليهم من أبناء اليمن تحت راية – الوهابية – وعلى خلفيتها، وهكذا، وفي ظل ضعف السلطة المركزية في صنعاء وانشغالها في كثير من الأوقات بمدافعة هجمات القبائل الباحثة عن الأرزاق بحد الأسنة عند أبواب العاصمة وفي أطرافها وأريافها، استطاع الوهابيون، أن يمدوا نفوذهم على طول السهل التهامي الغربي، وصولاً إلى تعز وبعض نواحي محافظة إب، بل لربما امتد نفوذهم آنذاك إلى عدن, وبعض نواحي حضرموت، أما من جهات النجد اليمني الأعلى: فقد شهدت العديد من المناطق الجبلية وجوداً ملحوظاً لبعض الغوازي والأرتاب النجدية التي وصلت بمساعدة بعض الوجاهات المتمردة على سلطة الإمام إلى بعض نواحي برط، وحفاش وملحان، بل وشهارة أيضاً.
ولعل هذه الانتصارات السهلة التي حصدها الوهابيون دون كثير عناء، أو التفات يذكر من جهة حكومة صنعاء على عهد – إمامها الضعيف – المنصور علي ابن المهدي عباس قد اطمعت – إمام نجد – سعود بن عبدالعزيز – باستمالة – إمام صنعاء – إلى موالاته والدخول في نحلته ومذهبه، فأرسل وفداً من أتباعه يتصدرهم اثنان من متفقهتهم وذوي مقالتهم هما عبدالعزيز بن أحمد بن إبراهيم – من أقارب محمد عبدالوهاب – وعبدالله بن المبارك الاحسائي، وقد وصلوا إلى صنعاء بتاريخ السادس من شعبان 1222هـ الموافق 1807م بعد تحيرهم برهة من الوقت في شبام كوكبان، لدى أميرها شرف الدين بن أحمد، الذي يبدو أنه أظهر شيئاً من الميل والمصانعة لصاحب – نجد – متعللاً بتقاعس سلطة صنعاء عن حسم أمر تهامة التي أصبحت خاضعة آنذاك لسلطة الشريف حمود بن محمد – أبي مسمار – الموالي في الظاهر للدرعية، والذي شكل بدوره نوعاً من الضغط الممكن على متولي كوكبان، ولا سيما مع وجود بعض الغوازي النجدية بالقرب من معقله في حصون المحويت، كما سلفت الإشارة.
على أن ذلك الوفد النجدي إياه وبعد أن أمضى في صنعاء نحواً من سبعة أشهر قابل خلالها المنصور علي، مرة واحدة فقط: قد عاود أدراجه إلى دياره دون أن يظفر بطائل مما كان قصد إليه، أو جاء لأجله حسب المؤرخ – جحاف – الذي يحدثنا في كتابه النفيس إياه بأنه كان يتبادل الزيارات مع ذلك الوفد النجدي أثناء إقامته في صنعاء ويدير مع متصدريه – النقاشات المعمقة – عن دعوة صاحبهم ومرتكزاتها الفكرية المتطرفة، كما كان دليلهم إلى زيارة الكثير من العلماء الأعلام ورجالات الفكر والسياسة من وزراء الدولة وقادتها ونحوهم، وكانوا طيلة الوقت محل رعاية سيف الخلافة أحمد بن المنصور علي – الإمام المتوكل- فيما بعد.
ويضيف – لطف الله جحاف – إنه قد لوحظ على أفراد ذلك الوفد النجدي إقبال لافت على الدنيا والتهافت على – الحطام – حسب تعبيره، رغم ما بلغ عنهم من الارعاد المتضمن للتوعد بالويل والثبور وعظائم الأمور، عقب مغادرتهم صنعاء إلى الدرعية التي سرعان ما دارت عليها الدوائر الماحقة لتعصف بدولتها الوهابية الأولى على يد القائد المصري – إبراهيم باشا – الذي قاد حملة أبيه والي مصر آنذاك – محمد علي باشا الكبير – على أراضي نجد والحجاز، وكان من نتائجها الباهرة فضلاً عما سلفت الإشارة إليه من القضاء على الدولة السعودية الوهابية وتدمير عاصمتها الأولى – الدرعية – تماماً وبشكل كلي أن أعيدت الأراضي اليمنية التي كانت قد خضعت لسلطة نجد أيام المنصور علي، إما مباشرة كأعالي – عسير – أو بالواسطة ودعوى الانتماء للدعوى الوهابية كما في سائر أراضي المخلاف السليماني وتهامة اليمن، التي أعيدت لسلطة صنعاء في العام 1234هـ – 1819م على عهد إمامها المهدي عبدالله بن المتوكل أحمد بن المنصور علي، سالف الذكر إياه (11).
وهكذا انطوت صفحة حافلة ومثيرة جداً من العلاقة الصاخبة بين اليمن والحركة الوهابية بزعامة – آل سعود – الذين انقمع شرهم عن اليمن وتوارت دعوتهم بعيداً عنها لما يزيد عن مائة عام تقريباً، لتعود العلاقة الجدلية بينهما بعد ذلك وبشكل أشد إثارة وأكثر فظاعة ودموية، وذلك حينما انقضت جحافل القبائل النجدية الوهابية في العام 1923م على قافلة الحجيج اليمني في وادي تنومة، لتبيدهم جميعاً إلا من أحاد 2-5 فقط هم وحدهم من كتبت لهم النجاة في تلك الجريمة الفاجرة المروعة ( ) التي كان ضحاياها – وهم كافة الحجيج – بالآلاف (6-8 آلاف) تبعاً لتباين الروايات عنها في المصادر المختلفة. (12)
وإن نعجب، فلأن عبدالعزيز مؤسس المملكة الحالية الذي اقترفت المذبحة في بداية عهده وقبل أن يستولي على مكة في العام 1923م.
قد برر فعلته النكراء تلك بما وقع في ظنه أو نمى إليه من أن أولئك الحجاج المغدورين المظلومين ربما كانوا – مدداً للشريف حسين المشتبك مع الوهابية آنذاك في نزاع مرير للاحتفاظ بما بقي له من سلطان ونفوذ في مملكته المحتضرة، وإن نعجب أكثر فلأن مؤرخي تلك الواقعة المريعة من الجانب الوهابي قد وصفوها بالفتح الكبير والمؤزر، وحتى ليقول أحدهم متمدحاً: وقد عاد الأخوة الوهابيون محملين بالأسلاب والغنائم، أي والله هكذا محملين بالأسلاب والغنائم لكأنما هم قد عادوا آنذاك من فتح – المدائن – أو مملكة بيزنطة، ثم هو لم ينس أن يردف عباراته الأثيمة تلك بلازمة تحميد المنعم الموفق بزعمهم – حاشاه – لذلك الفتح – التتري القرمطي، فهو يختتمها قائلاً: والحمدلله؟.
8 – يلاحظ هنا أن العبارة المحصورة بين الأقواس قد جاءت مشوشة من – المصدر – وربما كانت مصحفة عن عبارة (بهذه القصيدة) وليس الطريقة.
9- هو الشيخ – مريد بن أحمد التميمي – من علماء نجد، جحاف، الدرر، صـ(146).
10- إشارة إلى الحديث الشريف القائل: نُهيت عن قتل المصلين.
11 – كان الشريف – حمود بن محمد – المعروف بـ(أبي مسمار) وهو كأسلافه من أشراف المخلاف السليماني المعروفين بـ(آل خيرات) كان يحكم المخلاف بتفويض من حكومة صنعاء، ثم أنه ما لبث أن والى – إمام نجد – وخضع لشروطه في محاربة من يليه من أهل اليمن – سهلها وجبلها – ولكن بعد أن أبلى البلاء كله في مناضلة جحافل القبائل الوهابية معتمدا في ذلك على رجاله وإمكانياته دون أن يصله مدد من صنعاء المنشغلة بنفسها كما سلفت الإشارة في – المتن – على أنه وقد تهيأ له الوقت اللازم من بعد انتمائه إلى الدعوة الوهابية وأقر من قبل – الدرعية – على ما حوته يده من أراضي تهامة والمخلاف – سرعان ما تمرد على الجميع وثبت سلطته المستقلة عليها حتى مجيء الحملة المصرية التي دمرت الدرعية وأنهت الدولة السعودية الأولى بقيادة إبراهيم باشا في العام 1234هـ – 1819م.
12 – ثمة الكثير من اضطراب الروايات عن أعداد شهداء وادي – تنومة – في المصادر المختلفة، فبينما كانت الروايات السماعية – لمعاصري الفاجعة تحددهم ما بين – الأربعة والستة آلاف – غالباً، نجد أن العدد في المصادر الأجد والأحدث ظهوراً تتناهى بشأنه ما بين أقصى حده صعوداً وكثرة وهو – عشرة آلاف – من ضمنهم ألفان من حضرموت كما في تكوين اليمن الحديث لسيد مصطفى سالم،وبين أدنى الحد – تضاؤلاً وقِلة، وهو – ألف شهيد – لا غير بحسب د/ حسين عبدالله العمري – في أحدث إصداراته.