خليل المعلمي
تكمن أهمية الحوارات الثقافية والفكرية في المعلومات والأفكار التي يكتسبها القارئ في حالة ما كان المحاور قادرا على استخراج هذه المعلومات من عقل وفكر المفكر أو الكاتب الذي يجري معه الحوار.
فيكون الحوار بمثابة اختصار للأفكار الرئيسة التي يحملها المفكر وبالتالي يضعها أمام القارئ للنقاش والتفاعل، ولا لوم إذا تم جمع عدد من الحوارات الهادفة لشخصيات ذات أفكار تنويرية وحداثية قام بها أحد الصحفيين وجمعها في كتاب مميز ليضعها أمام الجمهور.
ومما يجعل هذه الفكرة مطروحة أمام هؤلاء الصحفيين ما يحدثه هذا الحوار أو ذاك من جدال في الوسط الثقافي والفكري وقد يتعدى الحدود المحلية لتصل أصداؤه إلى الوسط الثقافي العربي.
قبل عدة سنوات أُصدر كتاب يعتبر ثرياً في محتوياته الفكرية والثقافية وهو “منفى اللغة” قام بتأليفه الكاتب والناشط و الصحافي العراقي شاكر نوري يحتوي في أكثر من 400 صفحة على حوارات رائعة وشيقة وممتعة ومفيدة مع 30 أديباً وكاتباً من الشخصيات الثقافية والفكرية ذات الاتجاه الفرانكفوني، ومن أهم ميزات هذه الشخصيات أنها قد اتخذت من اللغة الفرنسية لغة للكتابة، مع أن ينحدرون من أصول عربية وأفريقية، كان لفرنسا حضورها الاستعماري في هذه البلدان خلال القرون السابقة.
وناقش الكتاب الكثير من القضايا مثل الكتابة باللغة الفرنسية وهل الكتابة بها ضرورة أم اختيار؟، وقد فضلها هؤلاء الكتاب عن لغاتهم الأصلية مثل العربية وغيرها في كتابة إبداعاتهم الأدبية والفكرية وأبدوا الأسباب حيال ذلك، وتضمنت الحوارات مناقشتهم لقضايا أخرى ذات بعد فكري وأيديولوجي.
وهناك كتاب آخر صدر للصحافي العماني عاصم الشيدي تحت عنوان “تكلم لأراك” وهو عبارة عن حوارات في الثقافة والفكر مع عدد من المفكرين العرب.. كان قد تم نشرها في الصحف والمجلات في فترات متباعدة وراقت له فكرة نشرها في كتاب ضمن مجلة “نزوي” العمانية.
من عنوان الكتاب يتضح أنه يمكننا أن نرى الكاتب من خلال الحوارات التي أجريت معه فنستطيع أن نتعرف إلى اتجاهاته وأفكاره السياسية والايديولوجية، وكذلك التفاعل معه من خلال حديثه في الحوار.
وهذه الحوارات هي جزء من مجموعة من الحوارات التي تم نشرها سابقاً، واختار منها البعض بعناية ودقة كما يقول بأنها مواد ليست آنية بل رؤى قابلة للاستمرار ويمكن أن تكون إضافة حقيقية على هامش الكّتاب والمفكرين الذين أجرى معهم حوارات الكتاب.
وحين قام باختيار هذه الحوارات لم تكن بالضرورة هي الأفضل ولكنها كانت محكومة بأحداث وتفاصيل آنية، ومنها ما سجلت جدلاً كبيراً في و قتها كما فعل ما ورد في حواره مع سلمى الخضراء الجيوسي حينما قالت: “إنها هي من أعطى نجيب محفوظ جائزة نوبل، ولكنه روائي غير ممتع”، فراح العشرات يهاجمونها على صفحات الجرائد وعبر الفضائيات قبل أن ترد موضحة عبر أكثر من صحيفة عربية، وكما حدث مع الجدل الذي صاحب نشر حوار المفكر جورج طرابيشي وحديثه المكرر عن مشروع محمد عابد الجابري والذي تفرغ له طويلاً، وهذه الحوارات تحتوي على الكثير من النقاشات حول الربيع العربي وجيل الشباب الذي كان السباق في إشعال هذا الربيع فكان الرأي أن أسقط هذا الجيل الايديولوجي بواسطة التكنولوجيا فكانوا قواداً للثورات ولكنهم لم يقودون مرحلة ما بعد الثورات لبناء أنظمة جديدة.
احتوى الكتاب على سبعة حوارات مع سبعة شخصيات أدبية وفكرية، فكان الحوارات ممتعة ومتنوعة، ناقشت عدد من القضايا مثل ثورات الربيع العربي، والانقسامات السياسية والايديولوجية والخلافات الطائفية والمذهبية والتي ظهرت مؤخراً في الوطن العربي وكان لها آثارها السلبية، واحتلت قائمة الاهتمامات والخلافات السياسية.
وناقشت أيضاً العلاقة بين العرب والغرب مع بعض المفكرين، وكان للأدب حضوره في هذه الحوارات من خلال الشعر والرواية.