اليمنيون ينتصرون للسلام
عبد الناصر سلامة
ملايين اليمنيين من جميع الطوائف نزلوا إلى شوارع العاصمة صنعاء، السبت الماضي، في ذكرى مرور عام على العدوان على بلادهم، حجم الحشود ونوعية الهتافات والخطابة، شعراً ونثراً، قرآناً وتراثاً، اعتزازاً وفخراً، دلَّلا على أن الشعب اليمنى بالفعل من نوعية خاصة، تاريخاً وجغرافيا، حضارة وجسارة، هو أُمَّة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، لا يُقارَن أبداً بدويلات عديدة في المنطقة، وليدة ثروة أو حتى تقسيمات استعمارية متغيرة.
اليمنيون تحملوا قصفاً عنيفا، لا مبرر له، على مدى عام كامل، ذهب ضحيته، حسب الإحصاءات الرسمية، نحو 6200 نفس بشرية، نصفهم على الأقل من النساء والأطفال، ناهيك عن الخسائر المادية التي سوف تحتاج إلى أكثر من 20 عاما لإعادة الأوضاع إلى نصابها، إن هي وجدت التمويل، القصف لم يرحم ولم يميّز بين الأسواق الشعبية، والمنشآت العامة والخاصة، من منازل ومحال وغيرها، القصف بطائرات أجنبية بالطبع، قادها طيارون عرب، بوقود عربي، وتمويل عربي، ودعم عربي، وصمت من الدول الممتنعة، وعار يلاحق الجميع.
هذه الحرب الغريبة على الشعب اليمنى، هي في حقيقتها تصفية حسابات. هى حرب طائفية وهابية شيعية، كل دولة لديها من الخرائط ما يكفي لمعرفة موقع الدولة الأخرى إن هي أرادت الاشتباك معها، أو إعلان الحرب عليها، ربما تداخل القبائل والأنساب فيما بينها، إضافة إلى حجم التبادل التجاري الكبير، يجعل كلاً منهما كتاباً مفتوحاً للأخرى، ليست في حاجة إلى الذهاب إلى اليمن للتعارف هناك، أو حتى لتصفية الحسابات.
على مدى العام المنصرم، تم حجب ما يزيد على 90% من أخبار العدوان عن الشعوب العربية بصفة خاصة، القصف كان بصفة يومية، بالتالي كانت الخسائر، مادية وبشرية، بصفة يومية أيضاً، إلا الاهتمام بأزمات الشعب اليمنى الطاحنة، لم تكن تشغل البال العربي، لا حكاماً ولا محكومين، بفعل أموال النفط لم تهتم وكالات الأنباء العربية بأطفال اليمن الذين سقطوا بفعل القصف العربي، بفعل أموال النفط لم تهتم الصحف العربية بتشريد القصف لآلاف من اليمنيين، بفعل أموال النفط لم تتصدر نشرات الأخبار العربية ذلك القصف الذي طال الأسواق والأماكن العامة.
كانت المنظمات الدولية، من خلال بعض أعضائها، تُحصى أعداد القتلى بصفة يومية، تراقب النزوح الجماعي للأسر المشردة، تتابع تطورات الموقف بما تيسر لها هناك من معلومات، إلا أن الغياب العربي كان واضحاً، سجل إضافة جديدة لتاريخ العار الذي لن يغفره الشعب اليمنى أبداً، دائماً وأبداً كانت شعوب الحضارة هي المستهدفة، من العراق، مروراً بسوريا، حتى اليمن، دائماً وأبداً كان التاريخ العربي هو المستهدف، في السابق كنا نعتقد أن الاستهداف أجنبي فقط بتمويل عربي، في الألفية الجديدة كشفت كل من سوريا واليمن أن الاستهداف في حقيقته عربي خالص، إعداداً وإخراجاً، تخطيطاً وتنفيذاً.
على أي حال، فيما بدا أنه انتصار للسلام باليمن، كان الرئيس السابق علي عبدالله صالح وأنصاره، خلال المظاهرات، يلوحون للمعتدين بأغصان الزيتون، في تأكيد جديد على أنهم يمدون يدهم بالسلام، وأبلغ «صالح» الحشود بأنهم يريدون إجراء محادثات مباشرة مع الرياض، دون عودة إلى محادثات مجلس الأمن الذي عجز- على حد قوله- عن حل أي شيء، رغم الكارثة الإنسانية هناك، وحصار الغذاء والدواء.
الأمل إذن في محادثات الكويت المقرر لها 18 من الشهر الجاري، بعد وقف إطلاق النار المقرر له ليل العاشر من نفس الشهر، إلا أنه يبقى الاعتراف بالمسؤولية عن هذا الدمار والخراب الذي لحق باليمن، وتعويض الشعب اليمنى ومساعدته في إعادة البناء، أما عن الأرواح التي أُزهقت بلا ذنب اقترفته، فنحن على يقين بأن الله يمهل ولا يهمل، حتى وإن كان اجتماع رؤساء أركان 43 دولة إسلامية بالرياض، الأحد الماضي، يرى غير ذلك.
* نقلاً عن المصري اليوم