الثورة نت /
انتقد البرفسور ديترش كلوزة في مقال تحليلي نشرته صحيفة در فريتاج الالمانية في 20 مارس 2016م ، التغطية الإعلامية لوكالة الأنباء الفرنسية “AFP” ومراسلها في اليمن ، معتبرا اداء الوكالة لا يخرج عن وصفة دعاية موجهة لإخفاء المجازر التي يرتكبها التحالف السعودي ضد المدنيين في اليمن.
وقال ديترش كلوزة ، غارة سعودية جوية مدمرة على سوق شعبي مكتظ بالناس في حجة راح ضحيتها 119 شخص من المدنيين فيما تم تقديم معلومات زائفة على أن الغارة استهدفت مقاتلين وفي الحقيقة فأن الضحايا مدنيين ولايوجد أدلة لمقاتلين او مسلحين في المكان المستهدف. وأضاف وكالة “AFP” هدفها تقديم إغاثة كبيرة للسعوديين وحلفائهم : “للتأكيد بأنهم لا يقصفون سوى الأهداف العسكرية وبالتالي يبرر لهم هذا الهجوم ، ولا غرابة في تناقل وكالات الأنباء الغربية ووسائل الإعلام لهذا الخبر بكل ارتياح واعتماده من قبل الكثيرين ، وإلا أنه للأسف لم يكن سوى دعاية موجهة لا أساس لها من الصحة ولا يمت بأي صلة للأحداث الفعلية”
. ديتريش كلوزه 119 قتيلا- هذا هو آخر حصيلة للخسائر البشرية الناجمة عن الهجوم الجوي المدمر للـ “ائتلاف” السعودي ونُشر في معظم الوسائل الإعلامية. استهدفت غارة جوية، يوم 15 مارس وفي منتصف النهار سوق مزدحمة في محافظة حجة، التي تقع في المنطقة التي يسيطر عليها الحوثيين. وجرح أيضا نحو 47 شخصا وفُقد 24 آخرون.
أخذت حصيلة ضحايا الغارة الجوية في التقارير الإخبارية في الارتفاع بصورة مستمرة. وتوقفت الحصيلة في البدء لوقت طويل عند 41 ضحية وبدأت وكالة الأنباء الفرنسية ببث هذا الخبر وتكرر في وسائل الإعلام الألمانية نقلاً عن موقع صحيفة دي تسايت الألمانية تحت عنوان: زعيم قبلي: مقتل 33 متمرداً ضمن 41 قتيلاً جراء غارة جوية على اليمن. بناءً على أقوال ذلك الزعيم القبلي وبما يتناقض تماما مع أقوال فرق الإنقاذ لم يكن ضحايا غارة قوات التحالف العسكري العربي على اليمن مدنيين فقط بل متمردين. قال الزعيم القبلي الذي زُعم أنه مقرب من المتمردين ولم يرغب في أن يذكر اسمه يوم الأربعاء لوكالة الأنباء الفرنسية، أن القتلى، 33 من أتباع الحوثي وعشرة مدنيين. هذا الخبر هدفه تقديم إغاثة كبيرة للسعوديين وحلفائهم: للتأكيد بأنهم لا يقصفون سوى الأهداف العسكرية وبالتالي يبرر لهم هذا الهجوم.
ولا غرابة في تناقل وكالات الأنباء الغربية ووسائل الإعلام لهذا الخبر بكل ارتياح واعتماده من قبل الكثيرين. إلا أنه للأسف لم يكن سوى دعاية موجهة لا أساس لها من الصحة ولا يمت بأي صلة للأحداث الفعلية. زعيم قبلي؟؟ ولم يرغب في ذكر اسمه لوكالة الانباء الفرنسية؟!! كيف يحدث هذا الأمر ويتم التغاضي عنه من قبل وكالة الانباء الفرنسية؟ هل كان مراسل الوكالة في مكان وقوع الحادث؟ من الواضح أنه لم يكن هناك وإلا لكان هناك تقريراً مفصلاً عن الحادث.
كيف كان التواصل بين وكالة الأنباء الفرنسية وبين “الزعيم القبلي”؟ أغلب الظن عبر مكالمة هاتفية. كيف تحقق هذا التواصل؟ إنه أمر شبيه بأن أجري أنا اتصالاً هاتفياً إلى وكالة شينخوا الصينية وأقول لهم أنا عمدة مدينة كولونيا وهي بدورها تنشر أقوالي وهو ما يعتبر هراءً، فقط كونه يتناسب مع ما ترغب بلدها بـ “سرده”. حتى أولئك الذين قرأوا الخبر وصدقوا “الزعيم القبلي” مجهول الهوية، كان عليهم أن يشغلوا عقلهم لنقد ما ينبغي نقده: كيف لهذا الزعيم القبلي أن يعرف على وجه الدقة أن هناك 41 قتيلاً ومن بينهم 33 “متمرداً” (والذين أوردت التقارير الألمانية بصورة غير دقيقة أنهم “متمردين” في حين أسمتهم وسائل الإعلام الإنجليزية بـ “المقاتلين”.
هل قام بجولة في السوق المدمر وتعرف على هويات الضحايا؟ فالمدنيين و الـ “مقاتلين” لهم نفس الشكل تماما من حيث اللبس في بلد مثل اليمن. كما أن الجميع يمتلك السلاح هناك ويحمل السلاح الكثير من اليمنيين بدون أن يكونوا “مقاتلين”.
إذن، كيف عرف أنهم “المقاتلين”؟ بإمكان من يرغب طبعاً مشاهدة الأفلام وصور السوق بعد الهجمات ورؤية كثير من القتلى، إذا كان من ذوي الأعصاب القوية، وتنقية “المقاتلين” المزعومين. ولو نجح في ذلك فلا شك سيحقق نجاحاً كبيرا مماثلا في تمييز المزارعين والمعلمين والحرفيين والتجار بين أولئك الأموات…
تقول التقارير باللغة الانجليزية وبشيء من التفصيل “إن المقاتلين كانوا يستقلون ثلاث سيارات في طريقهم إلى معسكر للجيش، الذي استهدف بثلاث غارات جوية” نقلاً عن أقوال الزعيم القبلي لوكالة الأنباء الفرنسية فرانس برس. والغريب أن ما استهدف هو سوق وليس معسكر للجيش؟ وهذا ما يمكن مشاهدته في الصور. فهناك صناديق الفاكهة وفاكهة متناثرة، منظر لا يوجد إلا في السوق. ثــم: إذا كان الـ 33 من القتلى هم “مقاتلين” كنا سنرى في الصور السيارات الثلاثة المستهدفة وهي ممتلئة بالجثث (ماظهر لنا هو حافلات صغيرة تتسع لأحد عشر راكباً) في حين أن الجثث متناثرة في منطقة التفجير بالكامل. حسناً، لم يستقر العدد عند 41 قتيلاً، فقد أخذت حصيلة الضحايا بالارتفاع.
فالعدد الذي رُوج له في البداية على لسان ذلك “الزعيم القبلي” غير المرئي على أنه هجوم على هدف عسكري (قدم نسبة 80 % “مقاتلين” استهدفوا مقابل 20% مدنيين كـ “أضرار جانبية” ربما كان بالنسبة للجيش الأميركي والسعوديين الذين لهم أهداف إلى جانب الأميركيين(؟؟؟؟) يعتبر الرقم المراد في واقع الأمر. ولكـن: تدهورت تلك الحسابات مع تزايد عدد الضحايا بصورة مستمرة، فمع 119 حالة وفاة، سيكون عدد “المقاتلين” 33 مقابل 86 مدنياً (بما في ذلك أيضا تأكيد أن هناك جزء كبير من المفقودين.).
وهذا لم يعد بالنسبة لهم عملاً يستحق التمجيد. وبالتالي بالإمكان إرسال “الزعيم القبلي” ليقوم بجولة أخرى في السوق والمستشفى ليقوم بعملية فرز الجثث ليصيغ الدعاية المبالغة. فقد أصبحت الخرافات الدعائية باليةً ويُلجأ لها بصورة متزايدة. ولكنها تحدث على نحو أفضل كل مرة. ففي 27 فبراير 2016، استهدف السعوديون سوق في منطقة نهم، شرق صنعاء. والحصيلة: نحو 40 قتيلا. وذُكر في الخبر القصير الذي ورد في موقع صحيفة “دي برسه” النمساوية استناداً أيضا إلى وكالة الانباء الفرنسية، 27 فبراير2016: “ذُكر وفقاً لمصادر قبلية في مكان الحدث، استهدف الهجوم ثلاث سيارات كانت تقل المتمردين.”
ونقلت النسخة الإنجليزية للخبر بنفس التاريخ عن وكالة فرانس برس أيضا أن الغارة الجوية استهدفت ثلاث سيارات للمتمردين وهم يدخلون سوق في قرية نهم. هجوم على سوق مليء بالناس، كثير من القتلى، أفراد قبليون مجهولو الهوية يدعون “مصادر أو مجاميع قبلية” وهي كلمة مبهمة في لغة وسائل الإعلام الألمانية، من الممكن أن تخفي وراءها كل شيء، وبالتالي لا بد من ذكر مزيد من التفاصيل لتوضيحها، وهذا مالم تفعله “المصادر الإنجليزية بصورة أفضل كذلك.
وبما أن معظم اليمنيين ينتمون إلى سلالات معينة، فليس هناك أي معنى لتسمية مصادر أو مجاميع قبلية إذا لم يكن المشار إليهم أشخاصاً يلعبون دورا مهما في القبيلة (وليس في الجيش أو في الإدارة أو في مجال الأعمال التجارية). حسناً، لنقل بأن المصادر القبلية والسيارات الثلاث كانت موجودة أيضا في مكان الحادث في نهم، حينما تم تنفيذ الهجوم المدمر على السوق على أساس أنه هجوم على هدف عسكري. أما كان علينا أن نبحث عبثًاً في الصور عن السيارات الثلاث الممتلئة بالجثث.
أليست هذه الدعاية الخرافية غبية وبعيدة عن الخيال في بعض الأحيان، عندما تستخدم حكاية قديمة (والتي أمكن التعرف عليها من الوهلة الأولى بأنها كذبة) في مكان آخر وزمان آخر، ولكن في سياق متطابق تماماً، تم إشعاله مرة أخرى؟ لم يتم فيها تغيير عدد السيارات كما تم الاستناد إلى أقوال زعماء القبائل. كان عليهم الاستعانة بإسناد الأقوال إلى مدير مدرسة مثلا، لأن قوله لا شك سيكون موضع ثقة…
ويلاحظ أيضا في كلتا الحالتين، لم يلفت انتباه ولا أحد من مروجي الدعاية الخرافية السعودية أو الببغاوات في وسائل الإعلام الغربية، إلى أي ضوء غريب يرغب السعوديون إلقاءه من خلال هذه القصص – وبخاصة التكرار؟ سيارات تقل أشخاص وهي عادة ماتكون في حالة انتقال من مكان لآخر (وهي في الغالب موجودة في مكان تنفيذ الغارة). وإذا ماكانت تلك السيارات الثلاث هي المستهدفة، فينبغي الانتظار إلى اللحظة التي تصل فيها إلى المكان المراد تفجيرها فيه في مدينة ما، ليصبح التفجير أكثر أناقة؟ هذا هو المنطق السعودي بكل صراحة، إذا كان ينبغي تصديق الدعاية السعودية.
ولكن مايدعو للخوف هو أن لا ينتهي الأمر فقط عند السيارات الثلاث التي تكررت مرتين والممتلئة بـ “المقاتلين”، والتي يبحث عن آثارها زعماء القبائل. فهذه الجماعة يبدو أنها لا تجد راحة إلا في قصف الأسواق الحية، الأمر الذي يدعو لعمل حساب لظاهرة قصف الأسواق في اليمن ولأخذ الحيطة عند شن الغارة المهلكة في المرة المقبلة. ولأن قصة الدعاية حول سوق محافظة حجة بدت سخيفة بطبيعة الحال بسبب ارتفاع عدد الضحايا- فعلى حسبتهم قلت نسبة “المقاتلين” المزعومين أخيراً إلى 28 % مقابل 72 % من “الأضرار الجانبية” – أي أنه كان عليهم حبك قصة جديدة.
وكانت تلك القصة أكثر تناقضا من سابقتها ونقلتها أيضا وكالة الأنباء الفرنسية فرانس برس: ” قال متحدث باسم التحالف أن الغارات الجوية استهدفت “اجتماع لمقاتلي الميليشيا.” حتى أن وكالة فرانس برس قامت بحبك قصة الخبر دون ذكر زعماء القبائل والسيارات الثلاث! نعم، والتساؤل هل كان هناك ثلاث سيارات تقل مقاتلين، أم كان هناك اجتماع للمقاتلين في السوق؟ بهذا تعثرت دعايتهم بأكاذيبها. وعلى مايبدو، تأخذ العديد من وسائل الإعلام الغربية كل ما يصلها دون تمحيص، ما يجعلها غير قادرة للعودة للتأكد من صحة الخبر من الأشخاص أو الدوائر ذات العلاقة. وقد عدى الأمر هذه المرة ولكن لا يمكن أن يمر مرور الكرام في المرات القادمة.
ويفترض على وسائل الإعلام الغربية أن تزيح الأخبار الدعائية التي تصل من كل انحاء العالم وبالذات من الأماكن التي لا يُعرف عنها جيدا، جانباً، فهي كثيرة. وهي ليست أفضل بكثير من خبر الزعيم القبلي الذي تجول في السوق والسيارات الثلاث. ويفضل تناول الأخبار التي تتماشى مع المصالح الجيواستراتيجية “للغرب”.
وكون وكالة فرانس برس والناسخات منها تحرص على نشر هذه الأخبار وتعمل على تدنيس ذكرى الضحايا القتلى، فهي في هذه الحالة تحاول للاستخفاف بعقولنا. ما يجري ليست حرباً نظامية، تشن فيها الغارات على مواقع عسكرية لا يشملها القانون الدولي إنها على كل حال جريمة حرب، تشبه تلك التي تحدث عنها كل من ميشل ماندل ونعوم تشومسكي. صحيفة در فرايتاج الألمانية، ترجمة: نشوى الرازحي