عام من العدوان يخلد في التاريخ بالصمود العظيم

حنان غمضان

يفتح التاريخ أبوابهُ لأرشفة عام العدوان فيتباكى ويئن لمرارة هذه السنة فيصرخ: مجلداتي لن تستطيع حمل محتواها ورفوفي ستقع لكثرة مظلوميتها. ويتساءل مستغربا كم دُون في رفوفي من سنين من عهد أبينا آدم
وحُفِظ في ذاكرتي من أعوام لكن هذه السنة غير كل السنين أغرقت روح رفوفي بالدماء البريئة التى تباكت لها مجلداتي حين استعرضت محتواها. حين أتت وهي مسرعة وتقول: أغلقوا بابي بيومي الأخير فقد أُرهقتُ من الأنين والآلام والأوجاع والجراح والدماء والأشلاء البريئة، عسى يغلق يومي الأخير فينقشع الظلم والجور والتعسف عن بلد لا سبب له في هذه الآلام وإزهاق أرواح أبنائه البريئة وكل مقومات حياته
سوى أنه حاول النهوض والسير على النهج القرآني المحمدي.
فمن خلال ممارستي لعملي من تغيير فصول السنة وتعاقب الليل والنهار لم أعلم قط أن فصولي كلها ستكون خريفا تتساقط فيها
الأرواح البريئة، ونهارا سيكون مظلما عليهم بالأوجاع والدماء والجراح من جراء الغارات الهمجية، حتى الليل الذي للسكن والهدوء حولوه إلى ضجيج
بطائراتهم وصواريخهم وما يخلفه من آهات وأنين للجراح والدماء المهدورة.
كل هذا الإجرام والعدوان بدأ في منتصف ليل السادس والعشرين من شهر مارس.
لقد جرى في هذا
اليوم ما غير مجرى العالم والتاريخ أجمع. وأفزع الطفل الرضيع الحالم في حضن أمه بالصراخ والبكاء
وأقلق المسن والشاب فتنادوا.
ماذا حصل؟
ماذا جنينا؟
ماذا ارتكبنا من جرم حتى يصب هذا الإجرام والحقد كله علينا؟
والشعب اليمني لم يكن يعلم ماذا يخطط له في الخفاء، ومن تحت الطاولة.
لم يعلم إلا بطائرات العدو تحلق في سماء الوطن وصواريخ العدوان تدنس ترابه الغالي وأرواح بريئة لاذنب لها تزهق.
هنا استجمعت قواي ودونت ما حصل من عدوان بربري همجي، من أجل توثيق بصمة العار على العدو الغادر. حيث تكالبت فيه أكثر من ثلثي دول العالم إن لم يكن كل العالم جاءت تغزو وتعتدي تحت كذبة اسمها شرعية الدنبوع الفار هادي.
واشتركت في هذا العدوان الهمجي دول عربية شقيقة من أجل حفنة زائلة وبائسة من المال .. وتم تهييج وتجييش الآلاف من أبناء الوطن
كمرتزقة وعملاء قدموا للعدوان من الخدمات ما لم يكن يحلم بها.
كيف لا؟!
وهو عدوان بربري غاشم كان وما زال على مر الساعات والأيام والأشهر يسعى بجرائمه لتحقيق إبادة جماعية لليمن فكل غارة متغطرسة تخلف وراءها المئات من الجرحى والعشرات من الشهداء والعشرات من الأشلاء والمئات من النازحين والمشردين وماتلحقه غاراتهم الهمجية من خراب ودمار كبير وهائل في المنازل والممتلكات الخاصة والعامة من مؤسسات حكومية ومدنية وخدمية، وكذلك استهداف للبنى التحتية المرتبطة بحياتهم واستقرارهم ولقمة عيشهم بشكل كارثي ومأساوي على
امتداد تفاصيل الحياة الإنسانية في اليمن فتراب
الوطن يروى يوميا بدماء الشهداء والجرحى ورائحة الدم أصبحت هي النسيم الذي نستنشقه.
جرائم ضد الإنسانية يندى لها الجبين وتقشعر لها الأبدان والقلوب وتنزف لها الأعين دما عند رؤيتها، حتى دور الرعاية نالت حظها من تلك الغارات الهمجية.
وكل محافظة يمنية نالها مالم ينل أي دولة قامت ضدها حرب
فالحروب العالمية الأولى والثانية لاتساوي شيئا مقارنة بما حل ويحل ببلادنا.
لقد دمر العدوان كل شيء، أو عمد إلى تدمير كل شيء. فلم يبقَ شيء يستحق الذكر لم تطاله جرائم طائرات العدوان وصواريخ بوارجه.
فمجزرة مروعة هنا، ومجزرة مروعة أخرى هناك، وأشلاء تتناثر هنا وأشلاء تتناثر هناك.ومع كل هذا الطغيان والظلم حصار جائر خانق شامل برا وبحرا وجوا غير قانوني، لا إنساني.
لقد سعت دولة العدوان وحلفاؤها جاهدة إلى جعل اليمن بلدا منكوبا بمعنى الكلمة،
تهدم الطائرات الغادرة والصواريخ الباغية كل شيء فيه، وتأكل الصراعات الداخلية التي أذكى نارها العدو الأخضر واليابس.
لقد صدق السيد حسن نصر الله، وهو الصدوق دوما، في مقولته العظيمة (إن أكبر مظلومية على وجه الأرض هي مظلومية اليمن).
تكالب علينا كل هؤلاء الأعداء لكي نكون عبيدا لهم، ونبقى رهيني أهوائهم ومصالحه، لكننا لقناهم طوال العام دروسا بليغة لن تمحى من ذاكرتهم ولا ذاكرة أجيالهم وسيورث لأجيال أجيالهم.
أذهلنا العالم أجمع  بصمودنا وثباتنا وصبرنا وأننا لانعبد ولانستعين إلابالله إمتثالا لقوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) مجندين مع الله ننطلق دون طمع في هذه الدنيا ترفعنا وتربينا على عدم حب المادة وجعلنا طمعنا الأكبر رضا الله وخلقنا من الروح الإيمانية منهجا نسير عليه.
فالمجتمعات الخليجية حين فاجأتها الطفرة النفطية والنعمة المحدثة حصل لهم انحراف وانحطاط أخلاقي في جميع المجالات.
أما نحن اليمانيين رغم المعاناة والعدوان الغاشم إلا أنه تولد لدينا قوة وعزيمة وثبات وصمود لايعادلنا أحد في ذلك ..
إن أي إنسان يمني شريف هو مشروع إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة فقد لبى اليمانيون نداء الجهاد سواء كانوا رجالا أو نساء أو أطفالا.
وتكاتف أبناء اليمن ودحروا العدو وحققوا أعظم انتصارات رغم العتاد البسيط إلا أن تأييد الله كان المعين الأكبر.
فرغم أن جحافل العدوان استعانوا بجميع الخبراء واستقدموا أكبر شركات الإرهاب بلاك ووتر وغيرهم من المرتزقة والعملاء في الداخل والخارج، واستخدموا أنواع الأسلحة المحرمة وغير المحرمة، بلا وازع ولا رادع، إلا أنهم فشلوا أمام قوة أهل اليمن الذين استعانوا بالله وحده.
نحن أصحاب قضية عادلة تحدينا وكسرنا كل الصعاب بصبرنا
وخرجنا من طور الوصاية إلى طور أصبح القرار فيه بأيدينا فليس لأحد وصاية علينا إلاالله عز وجل.
ومثلنا العروبة على أكمل وجه وكان ذلك جليا في كل خطاب يلقيه السيد عبدالملك رضوان الله عليه، حيث كان همه ليس على اليمن فقط وإنما على فلسطين وكل بلد حط العدو رحاله فيه.
فإن لم تكن العروبة لليمن فلمن تكون؟
وخروجنا آخر يوم من عام على العدوان خروج يتجدد فيه الصمود والتحدي والثبات ولنثبت للعالم أننا صامدون وثابتون حتى تتحقق إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة ونجعل السنة تغلق يومها الأخير بربيع يتفتح بثماره صامدون وانتصارات في كل الجبهات.
وتاريخ يستقبل صمود وصبر وثبات وانتصارات اليمنيين بكل حفاوة.
فمن نصر إلى نصر يا أهل الحكمة بإذن الله.

قد يعجبك ايضا