ن .. والقلم .. (( تاينا…))؟!

عبدالرحمن بجاش
قبل أن أدلف إلى الداخل , كان علي أن أتأكد من أن حذائي يلمع , قال صديقي الأعز عبدالسلام الدميني رحمه الله , أو النبل الذي كان يسير على رجلين: إذا لاحظت تاينا ان حذاءك لا يلمع فسيكون يوما اسودا لي ولك , كان يلمع بالفعل , فالغبار والتراب لا سكن لهما في شوارع موسكو أو انظف مدينة في العالم !!! . ومن الممر دلفنا إلى البوفية, كانت هناك تتربع على عرشها حيث تشرف على كل ما يدور في قاعة البوفية النظيفة , التي ترى صورتك على أرضيتها واضحة للعيان !! , سمينة هي تاينا أو قل انها كتلة من شحم ولحم , وتاينا عاملة بوفية الكلية التحضيرية لجامعة موسكو , كانت توزع ابتسامتها على كل الزوايا , تختفي الابتسامة فجأة , كما تدلف سحابة ممطرة إلى وسط زرقة السماء ,  ذلك يعني أن تاينا تكون غاضبة من تصرف أحدهم  , كأن لم يعد طالب الكأس إلى مكانه , كأن لا تضع احدى الطالبات معطفها على المشجب قبل أن تجلس !! . تاينا كانت زعيمة ذلك الكون  بامتياز , تحس أن الجميع يحبها , ويهابها , ثمة سر في شخصيتها , قلت محدثا نفسي : لا تستعجل ,. سيأتي وقته . (( آنا اندريفنا )) تحب تاينا , و(( آنا )) المدرسة الرئيسية للجروب , سنها كبير, ذكرتني دوما بجدتي نعمه , آنا اجتهدت في التدريس ونعمه اجتهدت في خدمة الأرض , جدتي في رحمة الله , و(( آنا )) لا ادري هل ما تزال حيه أو رحلت . حين يأتي الطلبة إلى البوفية فلا بد لهم أن ينتظموا في الطابور , أول مرة وقفت , في لحظة التفت الى خلفي لأجد ((يوسف ايفانوفيتش)) يقف  , افسحت له المجال لأن يقف مكاني , بكل أدب رفض قائلا : لا…. مكاني هنا , ايفانوفيتش عميد الكلية التحضيرية !!! . يأخذ كل منا حاجته وإلى طاولة اختارها هو والزملاء يعود , تكون تاينا لحظتها توزع الاوامر كضابط مهاب في معركة !!! , حتى ((سوزانا)) مدرسة التاريخ المكتنزة مثل تاينا تنفذ توجيهات سيدة اللحظة بحذافيرها !!! , تحس أن حتى إدارة الكلية تتعامل معها تاينا بما يوحي لك بأهمية ما !! . ذات ظهر قيل للطلبة جميعا عبر مايكرفون داخلي أن صباح الغد سيشهد حفلا في المبنى الرئيسي لإدارة الكلية , ويبعد حوالي الالف متر , عند التاسعة صباحا لا بد أن يكون الجميع متواجدين للاحتفال بالانتصار على الفاشية (( 9  مايو )) . نفس الليلة عند التاسعة ليلا ظننت أن المدينة أصابها مس من الجنون , كان صوت جماعي هادر لم افهمه يدوي , ولم ادر سببه , عرفت فيما بعد أن كل البلاد (( الاتحاد السوفيتي )) تهتف ومن النوافذ (( هورا )) أي النصر , قلت يحق لهم فقد أنتصروا في حرب وطنية عظمى ذهب منهم فيها من أجل بلادهم حوالي الـ  30  مليون انسان !! , عند التاسعة صباحا كنا ندلف إلى قاعة الاحتفال , لم أشعر سوى باللكزة الثانية على كتفي , التفت لزميلي يقول : انظر , انظر إلى من يجلس في الصف الأول ,. بدهشة تسمرت عيني عليها , كانت تاينا المكتنزة بشحمها ولحمها تجلس إلى جانب ايفانوفيتش , تسمرت عيني على البدلة العسكرية التي ترتديها , والنياشين التي زينت الجانب الايسر من صدرها ومغمورة بالورود , عرفت سر الاحترام لها , لقد كانت من أبطال الحرب . لله الأمر من قبل ومن بعد.

قد يعجبك ايضا