فتاة الجولة

عبدالمجيد التركي

وسط هذا البرد، تحمل بيدها خمس قنانٍ من الماء المثلَّج، وتنتظر أن يتوقَّف السائقون في جولة حدَّة لتُلوِّح لهم بالماء.. وتنتقل- حافية القدمين- من رصيف إلى آخر، تاركة طفلها الصغير يحبو على الرصيف، وهي تراقبه خشية أن ينزلق فيستقرّ تحت عجلات السيارات.
ولأنها شابة عشرينية، فإنها تتلقَّى انتهاكاتٍ كثيرةً من أصابع بعض السائقين وألسنتهم التي تُطلقُ أبذأ الكلام لمضايقة إنسانة كان بإمكانها أن تعيش كما تريد، وتأكل ما تريد، لو أنها رضخت لقهر الحاجة أو طمعت في نيل المزيد.
لا أدري كيف ينظر هؤلاء إلى المرأة بكلِّ هذه الخسَّة، وهم يعلمون أن ما دفعها إلى بيع الماء في الجولة وسط البرد هو أكبرُ وأجلُّ ممَّا يفكرون به، وبدلاً من الإشفاق عليها أو تركها لحال سبيلها تجاهدُ بكلِّ ثبات، وتصارع الحاجة والفقر وابنها الذي تضعه على الرصيف، وتفاهات الناس التي لا تُلقي لها بالاً.. وكأنها تريد أن توصل لهم رسالة مفادها أنها أسمى من دناءاتهم.. وهي كذلك بالفعل.
فتاة في مثل سنها يليق بها حياة كريمة أفضل من الحياة التي تقاسيها كلَّ يوم، لكنها في وطن مُتعَب.
هي لا تحلم بالسفر إلى بلاد أخرى بحثاً عن حياة كريمة، لأنها لا تملك الحق في هذا الحلم.. كلُّ ما تحلم به وتتمناه أن يمرَّ اليوم بسلام، وتعود إلى بيتها بلقمة شريفة، لأنها تعلم علم اليقين أن الكثيرين يغمضون أعينهم عن مثل هذه الشريحة التي تموت ولا تأكل بثدييها.. وتعلم أيضاً أنها لو كانت في بلاد أخرى لكانت حياتها مختلفة جداً.. لكنها ستظل تحلم بميزان اجتماعي عادل، حتى وإن تأخر هذا الحلم، فليس أمامها خيار آخر.
magid711761445@gmail.com

قد يعجبك ايضا