المرحوم الشيخ/محمد سعيد رمضان البوطي
تنقسم الأحاديث الضعيفة إلى طائفتين:
الطائفة الأولى يرجع سبب الضعف فيها إلى عدم اتصال السند.
الطائفة الثانية يرجع سبب الضعف فيها إلى عوامل أخرى …
فلنستعرض أولاً أهم أنواع الطائفة الأولى:
1. ( الحديث المرسل )
وهو ما رفعه التابعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن يذكر اسم الصحابي الذي رواه عنه.
وجمهور العلماء ذهبوا إلى أن الحديث المرسل ضعيف، وسبب ضعفه احتمال أن يكون التابعي قد رواه عن تابعي مثله، وربما كان غير موثوق, ومادام هذا الاحتمال قائماً فالحديث يصبح بسبب ذلك ضعيفاً.
ومعنى ذلك أننا إذا تيقنا بأن التابعي الذي أرسل الحديث، إنما رواه عن أحد الصحابة لا عن تابعي مثله، فإنه يرتفع بذلك عن مستوى الضعف وإن لم نعلم الصحابي الذي رواه عنه، لأن الصحابة كلهم عُدول.
2. ( الحديث المنقطع )
وهو ما سقط من سنده راو واحد في موضع واحد أو أكثر، أو ذكر فيه راو مبهم، سواء كان هذا في منتصف السند أو آخره أو أوله. مثاله: ما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يُشَيْع عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إن وليتموها أبا بكر فقويٌّ أمين”
هذا السند فيه انقطاع من مكانين: أحدهما أن عبد الرزاق لم يسمعه من الثوري، وإنما سمعه من النعمان بن أبي شيبة الجندي عن الثوري، وثانيهما أن الثوري لم يسمعه من أبي إسحاق وإنما رواه عن شريك عن أبي إسحاق.
3. ( الحديث المعضل )
هو ما سقط من سنده راويان فأكثر في مكان واحد.
وذلك كقول الإمام مالك: بلغني أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال: ” للمملوك طعامه وكسوته “. فإن بين الإمام مالك وأبي هريرة في هذا الحديث راويين ساقطين هما: محمد بن عجلان عن أبيه.
ثانياً: أهم أنواع الطائفة الثانية:
1. ( الحديث المضطرب )
هو الذي يروى على أوجه مختلفة متقاربة، مع عدم إمكان ترجيح وجه على آخر. فإن رُجح أحدهما بدليل مرجح فالحكم عندئذ للرواية الراجحة ولا يسمى الحديث عندئذ مضطرباً. وقد يقع الاضطراب في السند، كما يقع في المتن.
مثال الاضطراب في السند: حديث أبي بكر انه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أراك شبت ..! قال: “شيبتني هود وأخواتها”.
فهذا الحديث مضطرب في الإسناد لأنه لم يرو إلا من طريق أبي إسحاق السبيعي، ولكن اختلف الرواة عليه، فمنهم من رواه عنه مرسلاً أي بدون ذكر أبي بكر ، ومنهم من جعله من مسند سعد، ومنهم من جعله من مسند عائشة رضي الله عنها، ورواته كلهم ثقاة لا يمكن ترجيح بعضهم على بعض، فهو لذلك حديث مضطرب في الإسناد.
ومثال الاضطراب في المتن حديث فاطمة بنت قيس قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الزكاة فقال: ” إن في المال حقاً سوى الزكاة” هكذا رواه الترمذي عن شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة.
ورواه ابن ماجه من هذا الطريق نفسه بلفظ: “ليس في المال حق سوى الزكاة” فهذا اضطراب في متن الحديث لا يحتمل التأويل أو الترجيح.
2. (الحديث الشاذ)
هو الحديث الذي يرويه الثقة من المحدثين على نحو يخالف فيه غيره من الثقات.
ومعنى هذا أن المحدث الثقة إذا انفرد برواية الحديث دون أن يخالف فيه غيره فحديثه صحيح غير شاذ، وإنما يأتي الشذوذ من مخالفته لزملائه الثقات في رواية ذلك الحديث.
ومن أمثلة الشاذ ما رواه أبو داوود والترمذي من حديث عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه”.
قال البيهقي: خالف عبد الواحد – وهو من رواة هذا الحديث – العدد الكثير في هذا، فإن الناس إنما رووه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا من قوله. وانفرد عبد الواحد من بين الثقات برواية هذا اللفظ.
3. (الحديث المنكَر)
هو الحديث الذي خالف فيه الراوي الضعيف سائر الموثوقين وهو أشد أنواع الضعيف، أما إذا انفرد غير الموثوق برواية حديث دون أن يخالف فيه الآخرين فهو حديث ضعيف فقط ولا يسمى منكراً.