قراءة في رواية (تراتيل أمازيغية)

سيرين حسن
نحن أمام رواية الخيال والمغامرة والتي تذكرني بالقصص القديمة وجوها السحري.. ممالك وقصور.. عرافات ومخلوقات ممسوخة.. ومعارك لاستعادة الجميلة ابنة الملك.
المكان الرئيسي هو مملكة (غيلاس)ابن الملك والتي لم يُذكر اسمها ومملكة النحاس التي ذهب إليها الملك وصديقه طلباً للمغامرة ومخيم الرومان الذي قصده غيلاس لتحرير ابنة الملك من أيدي الرومان والتي سيتزوجها فيما بعد.
زمن الرواية ُعرف بقِدمه من الجو العام، تفاصيل الممالك والفرسان والسيوف، ولا يذكر الزمن تفصيلاً بل يعرف من نضوج ابن الملك، وتوليه العرش وزواجه في سن صغير يلمح لها الملك (شيشنق) وهو يحدثه عن تحمله مسؤولية إنقاذ ابنته من أيدي الخاطفين.
الحبكة سلسة ولا تزداد وتيرة الأحداث في عقدة فرعية حتى تنفرج، فالعقدة الأولى هي وقوع الملك وصديقه في أيدي الكائنات الممسوخة، ثم عقدة أحداث أخرى عندما يكون الملك أسير الرومان وهو يحاول إنقاذ ابنة الملك(شيشنق)، ثم العقدة الأخيرة في رغبته الكبيرة بتوحيد قبائل وممالك الأمازيغ ضد الرومان وانفراجها بمقتل صديق الملك بدلاً عنه ونهاية الرواية بشكل مفتوح.
الشخصيات قليلة ومركزة على الأبطال (غيلاس) ورفيقه(أوسمان)، أخت الملك ووالده، والحكيم وابنة الملك(شنشيق)، وعرافه، وبعض جنود غيلاس وجنود الرومان المذكورين بلا أسماء.. بهذا كان التركيز على الحدث والفكرة والثيمة.
ثيمتان رئيسيتان في الرواية هما الصداقة والوحدة.. الصداقة هنا تتجاوز الفواصل والحدود والفوارق بين عبد وملك، حيث يصادق الملك عبداً اسوداً هو ابن ملك ليحرره ويصبح وزيره فيما بعد وزوج أخته.
ومن قبل صداقته بـ(أوسمان) العبد تكون صداقته مع حصان لا يفارقه، لكن الرغبة في صحبة بشرية تفرض نفسها في حياة ابن الملك الذي يعاني من الوحدة رغم التفاف الكثيرين حوله، وهذا بسبب تمييزهم له وتبجيله فهو دائماً المنتصر في ألعابه مع الصغار، وهو دائماً في المقدمة وهم خلفه.. ليس له نظرة تحد جادة من رفقائه بل نظرات التذلل له لأنه (غيلاس) ابن الملك، هذا دفعه للبحث عن رفيق يكون نداً له ولا يعامله بتبجيل بل كصديق وهذا ما وجده لدى (أوسمان) الذي رغم انه عبد مملوك إلا أن روحه روح حرة.. والإنسان هو من يفرض على نفسه العبودية وإن كان حراً، بالتذلل والخضوع لشخص ما ذي سلطة أو نفوذ أو مال بسبب خوف أو لأجل مصلحة.
الثيمة الثانية هي الوحدة وهذا ما كانت الكائنات المموسخة في مدينة النحاس الساحرة تنوي معاقبته عليه.. أعلنت له الكائنات أنه(ابن الملك موحد الأمازيغ).. وهذه الوحدة ستكون لها قوة وشأن لذا كان محكوم عليه بالموت.
أراد غيلاس توحيد القبائل الأمازيغية المتفرقة والقوية؛ لتعمل في وحدة واحدة ضد الرومان الذين يقتطعون من أرضيهم، لكن خيانات بعض القبائل كانت أسرع من فكرته؛ فقد ابرموا عقودا واتفاقيات سرية مع الرومان بالتعاون والخضوع كي يأمنوا شرهم.. هنا أجدني أمام مثال حي لخضوعنا نحن العرب وتفرق كلمتنا.. لا يقودنا نحو حتفنا إلا الخوف وعدم الثقة في أننا معاً قوة.
الحكيم (يفاو) يحكي لغيلاس وصديقه عن ممالك وأمم بعيدة شمالاً خلف البحر، لها آلهة تحرضها على القتال وتتعطش للدماء.. هل يجب على البشر دوماً أن يبحثوا عن شماعة ليعلقوا عليها شرورهم ورغباتهم في السيطرة والحكم متجاهلين النفس الأمارة بالسوء فيهم؟ هذه الآلهة في الرواية تدفعهم للهجوم على قبائل عديدة وممالك، واقتطاع أجزاء من أراضيها ونشب أظافرها في ممتلكاتها.. يبنون المسارح والمعابد لهم وحين يستقر بهم الحال دون حرب يبتدعون حرباً من نوع آخر، يتجمهرون حول رجلين يتقاتلان حتى الموت أمام التصفيق، الصفير، والنشوة لكل العنف والبربرية والدماء، أو يطلقون حيواناً ضارياً جائعاً على إنسان ليتنازلا حتى الموت كنوع من الترفيه والتسلية! في حين أن آلهة الأمازيغ مُحبة للسلام والخير.. كأن الرغبة في القتل والاستمتاع به في نفوس بعض البشر رغبة قديمة دفينة، توارثوها عبر جيناتهم من الأسلاف وتظهر بين الحين والآخر في أزمنة لاحقة؛ لتُظهر قسوة و بربرية البشر مع بعضهم البعض رغم التمدن والحضارة والحديث الذي لا ينتهي عن حقوق الإنسان.
لأن الرومان يدركون معنى التوحد فإنهم يبعثون بقاتل مأجور من إحدى القبائل الصديقة للملك غيلاس ليقتله في حفل أقامة ابتهاجاً بحمل زوجته وشقيقته، لكن صديقه يفتديه، وتنتهي الرواية ببقاء غيلاس كأمل على التوحد يوماً ما لدحر الغزو والعدوان، رغم وجود الخونة، والجبن، والخوف.
يقول الكاتب إن الحب هو ما وحد صفوف الأمازيغ في معركتهم ضد الرومان لاستعادة ابنة الملك (شيشنق) (زوجة غيلاس) فيما بعد وليس الشر.. هذه رسالة بأن الشر لا يولد إلا شراً ومهما طال زمانه فإن له نهاية وأن توحدنا نحن العرب عليه أن يكون في الخير لا في الدمار والخراب، وعلينا أن نحذر الخونة من الداخل فهم من يصيبوننا في مقتل وليس الأعداء الظاهرين للعيان.

قد يعجبك ايضا