حماية المبلغين والشهود لمكافحة الفساد في اليمن
عبدالرحمن علي علي الزبيب
لمكافحة الفساد في اليمن يستوجب تعزيز مبادئ الشفافية وكشف غطاء السرية عن جميع التعاملات لأن الفساد يتخفى ولا يظهر للعلن مثل الخفاش لا يظهر إلا في الظلام ويختفي عند ظهور نور الصباح.
وأنوار الصباح لكشف الفساد يتمثل في المبلغين والشهود عن قضايا ووقائع الفساد والذي ما يزال غول الفساد يحارب باستماتة تلك الفئات الكاشفة لفسادهم مماعرض المبلغون والشهود لاعتداءات جسيمة لكي يتوقفوا عن الابلاغ عن الفساد وفي نفس الوقت ليكونوا عظة وعبرة للآخرين كي يتوقف الجميع عن كشف الفساد والابلاغ عنه لتشيع وتنتشر ظاهر السلبية المجتمعية أمام الفساد كي ينمو وينتشر في ظل مجتمع صامت متخاذل لا يستطيع ان يقول للفاسدين توقف ولا يستطيع حتى الابلاغ عن الفساد أو الإدلاء بالشهادة عن الفساد ويظل المجتمع سلبياً أمام وقائع الفساد حتى ينهار المجتمع ويصبح اطلالاً ليندب الجميع حظه ويعض أنامل الندم أنهم لم يواجهوا ويقفوا الفساد قبل سقوط المعبد على رؤس الجميع .
في السنوات الماضية قامت عدد كبير من دول العالم باصدار قوانين ولوائح وقرارات إدارية تحمي المبلغين والشهود في قضايا الفساد لتحافظ على سرية أولئك الملائكة المجهولين بل وقامت أيضاً بمنح مكافآت ومزايا للمبلغين عن الفساد لكي يكون حافزاً لإخراج بقية أفراد المجتمع من وضع السلبية والصمت أمام الفساد ليتحول الجميع إلى عين على الفساد ترصد فسادهم وتبلغ بهم الجهات المختصة وبما يؤدي إلى استئصال الفساد وإيقاف توغل الفساد ليتحول الفساد إلى جرذ صغير يهرب من الجميع ويطارده.
المبلغون عن الفساد يقومون بكشف الأقنعة الزائفة الذي يتخفى وراؤها الفاسدون والذي ينخدع بها الجميع ويظللهم الفساد.
وفي وطننا الحبيب اليمن السعيد بذل المجتمع المدني والناشطون محاولات مستميتة لاصدار قانون حماية المبلغين والشهود ولكن للأسف الشديد لم يصدر حتى الآن وما زال حلماً نتمنى أن يتحقق لكي يتم إزالة اهم معيقات مكافحة الفساد وهو حماية المبلغين والشهود عن قضايا الفساد .
في ظل وجود نصوص قانونية مشوهة في عدد كبير من القوانين تقيد المبلغين وشهود قضايا الفساد بل وتجرم وتحظر الابلاغ عن الفساد وتعرضهم للمساءلة القانونية وبنصوص قانونية مشوهة متناثرة في عدد كبير من المنظومة التشريعية وفي مقدمتها تلك المنظومة القانونية منظومات الأجهزة الرقابية ومنها الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وجميع الأجهزة الرقابية ومؤسسات الدولة والتي عززت تلك النصوص المشوهة من حماية الفساد والفاسدين والذي يستوجب إلغاء وحذف تلك النصوص القانونية المشوهة واستبدالها بنصوص تحمي المبلغين والشهود في قضايا الفساد.
لازال الجميع يتذكر إحدى القضايا التي رفعت أمام إحدى المحاكم الغربية ضد أحد الأشخاص بسبب أنه قام بالنشر الصحفي في قضية فساد ضد إحدى المؤسسات الحكومية واعتبرت تلك الجهة أن النشر الصحفي والابلاغ بواقعة الفساد هي جريمة تشهير ولكن القضاء الأصيل بقواعده وأسسه رفض تلك الدعوى لأن قضايا الفساد تحمي المبلغين والشهود وتعتبره حقاً وواجباً وطنياً وأن المؤسسات الرسمية والموظفين العموميين ليس عندهم أي حصانة من أي دعاوى أو شكاوى ضدهم والجميع مفتوح له المجال للابلاغ عنهم وبوقائع الفساد المشتبه في قيامهم بها لأن المؤسسة والوظيفة العامة هي مسؤولية وليست امتيازاً.
ما جعلني أكتب عن موضوع حماية المبلغين وشهود وقائع الفساد هو تساقط عدد كبير من الناشطين في مكافحة الفساد بسبب تصديهم ومواجهتهم للفساد بصدورهم العارية وظهورهم المكشوفة فاصبحوا لقمة سائغة لغول الفساد ليبطش بهم بعنف وهناك كثير من تلك الوقائع ومنها رش الأسيد لتشويه أحد الناشطين النقابيين بسبب ابلاغه بالفساد وقتل آخر لنفس السبب قبل حوالي شهر التقيت بأحد الأصدقاء ذكر لي أنه موقوف عن العمل ومرتبه موقف بسبب أنه أبلغ إحدى الجهات الرقابية بفساد في الجهة التي يعمل فيها ولسوء تعامل تلك الجهة قامت بابلاغ رئيس الجهه بالبلاغ واسم رافع البلاغ مما عرضه لإجراءات تعسفية من رئيس تلك الجهة.
ما ذكرته من أمثلة هي أمثلة بسيطة لضحايا كثير حيث وضحايا مكافحة الفساد في وطني الحبيب اليمن من المبلغين والشهود كثير جداً وبدلاً من منحهم أوسمة ومزايا ومكافآت لابلاغهم بوقائع الفساد لم نستطع على الأقل الحفاظ على حياتهم وأصبحوا ضحية مجتمع يضحي بمن يريد الحياة لهم .
وحتى يتم إصدار قانون حماية المبلغين والشهود في قضايا الفساد بالإمكان اتخاذ خطوات بسيطة لحماية المبلغين والشهود وأهمها:
1- إعادة النظر في استمارات الشكاوى والبلاغات لدى الجهات الرقابية بحيث يتم كتابة اسم وبيانات من قام بالابلاغ في استمارة مستقلة تحفظ في إدارة البلاغات والشكاوى ويمنع تسريب تلك البيانات ويحال البلاغ بالفساد للمختصين بالجهة الرقابية دون اطلاعهم على اسم وبيانات من قام بالابلاغ وأن يتم التعامل مع بلاغات الفساد كوقائع فقط دون ذكر الاشخاص لكي لا يتم تسريب أسماء من قام بالابلاغ عن الفساد ويعرض حياتهم وأعمالهم للخطر .
2- إعادة النظر في مذكرات التخاطب الصادرة من الأجهزة الرقابية إلى الجهات والمؤسسات والأشخاص الذين تم الابلاغ عنهم بالفساد بحيث يجب أن لا يتم ذكر من قام بالابلاغ عن واقعة الفساد واتخاذ جميع الإجراءات لعدم كشف من قام بالابلاغ بواقعة الفساد باعتبار من قام بالابلاغ عن الفساد مصدر هام لمكافحة الفساد يستوجب الحفاظ عليه وحمايته ليستمر بعمله الوطني .
3- إعادة النظر في أي تقارير داخلية أو خارجية أو إحصائيات أو سجلات أو ملفات أو مخاطبات داخلية أو خارجية لدى الأجهزة الرقابية يتم ذكر اسم من قام بالابلاغ بوقائع الفساد ولا حتى أي إشارة أو ترميز قد تكشف من قام بالابلاغ بحيث يتم شطبها تماما وعدم إيرادها بتاتاً للحفاظ وحماية المبلغين والشهود بوقائع الفساد وعدم تعريضهم للخطر
وفي الأخير :
أتمنى من الجميع وفي مقدمتها الأجهزة الرقابية ومنظمات المجتمع المدني وفي مقدمتها النقابات اتخاذ جميع الإجراءات لإصدار قانون حماية المبلغين والشهود في قضايا الفساد والذي نتمنى ونرجو أن يصدر ذلك القانون في أقرب وقت ممكن وحتى يصدر نأمل اتخاذ الإجراءات المتاحة لحماية تلك الشريحة الهامة في المجتمع والوقوف الى جوارها أمام تغول وبطش الفساد والفاسدين الذين لم يرحموا وطناً يفسد فيه فكيف سيرحم من يوقف فسادهم ويشكل عائقاً أمام طموحهم المشوه والشاذ .
عضو الهيئة الاستشارية لـ وزارة حقوق الإنسان