دور النقابات في مكافحة الفساد في اليمن
عبدالرحمن علي علي الزبيب
يعتبر الفساد من أخطر الكوارث التي تصيب المجتمعات والدول وفي مقدمتها وطني الحبيب اليمن السعيد وينخرها من الداخل لتتساقط أجزاؤها، فمعظم ثورات العالم طوال التاريخ أشعلها هدف مكافحة الفساد وكان في مقدمة من خاض تلك الثورات هي النقابات لما تمتلكه النقابات من إمكانيات تنظيمية وعلاقات واسعة وخبرة في المؤسسات التي تعمل بها تعرف الخلل وتعرف الحل الناجع له.
بل وتعتبر الثورات التي يكون للنقابات دور كبير فيها ثورات ناجحة لأنها تؤسس لإصلاح مؤسسي من داخل مؤسسات وأجهزة الدولة وهي أفضل وأجود أنواع الإصلاحات .
والثورة في أي مجتمع لا تأتي مصادفةً بل عبر مراحل عززت من الاحتقان المجتمعي ويأس الجميع من إصلاح الأوضاع وإزالة الفساد بالوسائل والمنظومات التشريعية والأجهزة الرسمية التي هي عادةً هي فراخة الفساد والذي أوصلت الجميع الى طريق مسدود فتأتي الثورة لكسر ذلك السد الذي يغلق طريق المجتمع وليعيد ترتيب وتنظيم المجتمع ومؤسسات وأجهزة الدولة على أسس ومبادئ ثورية يكون في طليعة ومقدمة تلك المبادئ هو مكافحة الفساد ولن يتحقق ذلك ما لم يتم تحقيق شراكة مجتمعية بين القوى الثورية والقوى المجتمعية وفي مقدمتها النقابات لكي تحقق أهدافها النبيلة ولكي لا تتصارع القوى الثورية والقوى المجتمعية بينهما بالرغم أن هدفهم جميعاً هو مكافحة الفساد، لأن المستفيد الأول من ذلك الصراع هم الفساد والفاسدون .
ونتيجة خطورة الفساد على المجتمع يستوجب التفاف وتوافق إرادة الجميع في إزالة الفساد ومكافحته حقيقة على أرض الواقع وليس كلاماً فقط في الصحف والبيانات الإعلامية .
وفي مقدمة الجميع لمكافحة الفساد هي النقابات لما لها من دور كبير باعتبار الفساد والفاسدين هم العدو الأول للنقابات .
كون النقابات تدافع عن حقوق منتسبيها الموظفين في الجهة التي يعملون بها والذي يكون في الغالب الفساد والفاسدون أهم المعرقلين لوصول الحقوق لمستحقيها بالإضافة الى دور النقابات في المحافظة على تلك المؤسسات وتطويرها كونها الحاضن الأم للموظفين وأي انهيار لتلك المؤسسات سينعكس سلباً على الموظفين والذي يعتبر الفساد أيضاً هو المسبب الرئيسي لانهيار تلك المؤسسات وتخريبها.
فالفساد والفاسدون يلتهم موازنة واستحقاقات المؤسسات والجهات بشكل مريع بالمخالفة للقوانين والأنظمة أو بالاستناد الى أنظمة وقوانين فاسدة وبما يؤدي الى حرمان مستحقيها من تلك المستحقات ويؤدي الى تضخم الفساد وتوحشه في تلك المؤسسات إن لم يجد من يردعه .
لذلك وجدت النقابات للحفاظ على المؤسسات وموظفيها وذلك بردع الفاسدين وإيقاف الفساد .
باعتبار النقابات أهم منظومات الرقابية المجتمعية الشعبوية على الجهات والمؤسسات كونها تقوم بالرقابة من داخل تلك الجهات وعبر منتسبيها الذين يشكلون الكادر البشري العامل في تلك المؤسسات وقريبون من مكامن الفساد ويعرفون أين يظهر وأين يضرب وأسباب ذلك الفساد بالإضافة الى أن النقابات تقوم بمهامها النقابية بموجب تفويض انتخابي من الموظفين لذلك يعتبروا ممثلين لأولئك الموظفين وفي نفس الوقت أي تحرك من النقابات يتجاوب جميع الموظفين تلقائياً معهم لأنهم جزء من تلك المنظومة النقابية ومفوضون من قبلهم .
غالباً الجهات والمؤسسات التي تغيب عنها النقابات أو يتم تدجينها واضعافها تجد الفساد مستشرياً فيها بشكل كبير وينخرها حتى العظم لعدم وجود الرادع النقابي .
وهذا ما يستوجب على الجميع تفعيل دور النقابات في مكافحة الفساد والذي يكون عبر إزالة المعيقات والعراقيل التي تعترض دور النقابات في مكافحة الفساد ومن أهم تلك العراقيل والمعيقات:
العائق التشريعي :
قد يكون التشريع عائقا لدور النقابات في مكافحة الفساد بتحجيم دور النقابات بل وحتى وجود نصوص قانونية مخالفة لنصوص وروح الدستور الوطني تمنع العمل النقابي في بعض الجهات دونما مبرر سوى مبرر الفساد والإفساد لأنه لا يوجد أي ضرر من العمل النقابي في أي مؤسسة أوجهة كونها جهات تمثل إرادة الموظفين في نيل حقوقهم المشروعة .
بل وأيضاً تعتبر النقابة أداة اتصال وتواصل بين قيادة تلك الجهات وبين موظفيها فبدلاً من عقد مؤتمرات واجتماعات موسعة يضيع الوقت والجهد فيها لمناقشة اهتمامات وحقوق الموظفين بالإمكان الاكتفاء باجتماع القيادة مع الهيئة الادارية للنقابة وباعتبار النقابة مفوضة من قبل الموظفين يكون الاجتماع واللقاء نابعاً ويعبر عن جميع الموظفين والذي بدورها تقوم النقابات بنقل تلك المناقشات والمفاوضات الى الموظفين عبر الأطر النقابية .
ولهذا يستوجب إعادة النظر في المنظومة التشريعية كامل وإزالة وحذف أي نص يتعارض مع نص وروح الدستور في كفالة العمل النقابي للجميع ودون استثناء واستبدالها بنص صريح يكفل ذلك الحق ويوسع من صلاحيات النقابات في الاطلاع ومناقشة موازنات تلك الجهات وآلية توزيعها وصرفها وبما يحقق مبدأ الشفافية الذي يكشف الفاسد وتوقفه في مهده.
العائق التنفيذي:
قد يكون العائق أيضاً أمام النقابات لتفعيل دورها في مكافحة الفساد تنفيذياً ونقصد هنا بمعنى تنفيذي أي عدم تنفيذ نصوص القانون المرتبط بالعمل النقابي والمزاجية في التعامل مع النقابات في الجهات والمؤسسات بحسب علاقة قيادة الجهة والمؤسسة بقيادة النقابة بحيث يتم اشراك النقابات في جميع اللجان والاعمال النقابية في الجهات بحسب المزاج ومستوى العلاقة بين القيادة والنقابة وهذا موضوع خاطئ ويخرج عمل المؤسسة والنقابة من العمل المؤسسي وفقاً للقانون الى عمل شخصي تحقق أهداف شخصية وهذا يؤدي الى اطمئنان الفساد وتفشيه ويوقف الرادع النقابي في مكافحة الفساد.
وهذا يستوجب إعادة النظر في عمل النقابات في جميع المؤسسات والجهات وبما يؤدي الى تفعيل دورها جميعاً دون استثناء ودون أي مراعاة للعلاقات الشخصية بين قيادة النقابات وقيادة الجهات والمؤسسات ويكون المرجع هو القانون الذي يحكم الجميع دون مزاجية ولا تحكم .
العائق النقابي :
من العوائق الخطيرة والهامة المعيقة لمكافحة النقابات للفساد هو العائق النقابي .
نعم قد تكون النقابة نفسها عائقاً ومعرقلاً لمكافحة الفساد .
وذلك يعود الى أسباب عدة من أهمها انشغال النقابات بملاحقة ومتابعة حقوق منتسبيها دون النظر والعمل لتحقيق اهم الاهداف للعمل النقابي وهو مكافحة الفساد فقد يخلو من نصوص اللوائح والانظمة الأساسية في بعض النقابات النص بشكل واضح على مكافحة الفساد والدور المفترض للنقابات في مكافحة الفساد .
وهذا الغياب يؤدي الى استنفاد الطاقة النقابية في أعمال وأنشطة ومهام لو تم تنفيذ بعضها لمكافحة الفساد لتحققت مطالب الموظفين ولحافظت النقابة من انهيار المؤسسة والجهة التي يعمل منتسبوها فيها .
وهنا يستوجب إعادة النظر في جميع اللوائح والأنظمة الأساسية والأنشطة للنقابات وبما يؤدي الى دمج مبدأ وهدف مكافحة الفساد في صدر تلك الأنظمة واللوائح النقابية وبما يعزز ذلك من الأنشطة والأعمال النقابية لمكافحة الفساد.
عائق الشفافية:
تعتبر الشفافية من أهم مزيلات الفساد فبمجرد تحقيق الشفافية المطلقة في أي جهة تجد الفساد يتوارى وينكمش مثلما تنكمش الجراثيم والمكروبات عند ملامستها لأشعة شمس الصباح .
وهذا يستوجب أن تقوم النقابات بالمطالبة بها من المؤسسات التي يعمل منتسبوها فيها وجعلها أهم أهدافها النقابية وبما يؤدي الى تعزيز الشفافية في المؤسسات والجهات باعتبار الشفافية المطلقة لبيانات الجهات والمؤسسات هامة جداً وبشكل كامل ابتداءً من موازنة الجهة السنوية والايرادات والمصروفات الشهرية والتسويات والترقيات وجميع أنشطة تلك الجهات لتلك الجهات ونشرها باعتبارها حقا قانونياً وحقاً نقابياً لجميع النقابات لتقوم بدورها في إيقاف الفساد ولن يتم ايقاف الفساد ما لم يتم كشف وتعرية الفساد ولن تتحقق إلا بشفافية مطلقة في جميع الجهات والمؤسسات دون استثناء لأن الاستثناء هو ثقب بل بوابة كبيرة يدخل منها الفساد لينخر المؤسسات والجهات دونما رحمة.
غياب الرصد النقابي المستمر لوقائع الفساد:
يعتبر الرصد اليومي والمستمر للنقابات على وقائع الفساد من أهم أعمال وأنشطة النقابات لتقوم بدورها الحقيقي في مكافحة الفساد وغياب عمليات الرصد النقابية لوقائع الفساد يؤدي الى تكرار الفساد وتفشيه ونسيان الجميع لتلك الوقائع وبما يؤدي ذلك ضعف العمل النقابي الرقابي .
وهذا يستوجب على جميع النقابات الشروع في عمليات الرصد بشكل محترف لوقائع الفساد بوثائقها وكشفها واعلانها للجميع في تقارير شهرية دورية تحدد وقائع الفساد في المؤسسات والجهات لحفظها وكشفها وايضاً لتسهيل اعمال أجهزة الرقابة الرسمية والمجتمعية لتقوم بدورها في مكافحة الفساد على ضوء وبناءً على تقارير الرصد الدورية للفساد التي تقوم بها النقابات وبما يؤدي الى تعزيز العمل النقابي في الجهات وفكفكة قيود الضغوط المؤسسية على النقابات بحيث تتحول وقائع الفساد في تلك الجهات والمؤسسات الى قضايا رأي عام يكافح الجميع لإزالة الفساد .
وفي الأخير:
نؤكد هنا على أهمية دور النقابات في مكافحة الفساد باعتبارها آلية مجتمعية قوية لأنها تكافح الفساد من داخل المؤسسات وليس من خارجها وكما يقال في المثل “أهل مكة أعرف بشعابها” وكذلك النقابات هي أكثر معرفة بمكامن وأسباب الفساد في المؤسسات والجهات التي يعملون فيها .
وندعو الجميع في وطني الحبيب اليمن السعيد أن يقوم بسرعة تفعيل دور النقابات في مكافحة الفساد وبما يؤدي الى تكاتف جميع القوى المجتمعية لتفعيلها وإزالة وفكفكة جميع العوائق المعرقلة لها كون مكافحة الفساد عبر النقابات هامة وبسيطة ولتنطلق قاطرة الدولة والمجتمع بعيداً عن الفساد ونحو مستقبل جديد خال من الفساد.
* عضو الهيئة الاستشارية لـ وزارة حقوق الإنسان ومسؤول شؤون النيابة العامة بنقابة موظفي القضاء