النظام العجيب
حمدي دوبلة
نشرت شابة سعودية حالة في الفيس بوك تقول فيها بأن أول شيء تقوم به عندما تستيقظ من النوم هو البحث عن مكان آخر لاستئناف متعة النوم وأما عن سبب استيقاظها الأول فتوضح بأنه يعود للإزعاج الذي تسببه الخادمة الفلبينية ولكنتها العربية المُكسًرة وهي توقظ شقيقها الصغير من أجل الالتحاق بحافلة المدرسة وسائقها الهندي الذي غالبا ما يطول وقوفه بجانب المنزل في انتظار السعودي الصغير عبدالعزيز او “ابدولاسيس” كما تناديه الفلبينية وتزعج بذلك بقية أفراد الأسرة الغارقين في السبات العميق لأغلب أوقات النهار ان لم يكن النهار بأكمله.
هذا الحال الذي تحدثت عنه هذه الفتاة ما هو إلاَّ نموذج مبسط للوضع العام الذي أصبح عليه ما يسمى بالمجتمع السعودي اليوم وهو الحالة البائسة التي خطط لها نظام عائلة سعود منذ اليوم الأول لإخضاعه أرض نجد والحجاز ومناطق أخرى في شبه جزيرة العرب تحت سلطانه وحكمه الكهنوتي المتخلف.
رأي النظام الأسري في مصادرة الهوية من خلال الحاق الناس باسم العائلة الحاكمة ودفعهم إلى حياة الدعة والخنوع وتعطيل العقل عن أداء وظائفه أسلوبا مثاليا لإطالة أمده والتصرف كيف يشاء وكيفما يحلو في ثروات وقدرات وإمكانيات تلك البلاد مدعوما بفتاوى شرعية أوجد هو رجالها من أجل تقديسه وتجريم مجرد الامتعاض عليه وعلى طريقة ادارته للشؤون العامة من قبل الناس الذين عليهم أن يأكلوا ويشربوا ويناموا وان يقتصر وجودهم على تمجيد الأسرة المالكة والثناء والحمد لافضالها وماتجود به أياديها البيضاء من عظيم النعم والفضائل على شعبها المستكين والنائم على بحور من الذهب الاسود.
لا يعني هذا أبدا بأن السعودية حيث لا منظمات مجتمعية ولا أنشطة مدنية فيها ولا شئ مما يمكن ان يكون على علاقة بحقوق الانسان المتعارف عليها في تشريعات السماء وقوانين الأرض ..لايعني ذلك بأنها تخلو من الفقراء والمحرومين والبائسين أو بعيدة عن المشكلات الاجتماعية كالبطالة والتهميش والحرمان وغيرها من المظاهر التي تؤرق الدول والمجتمعات في عالم اليوم فهي غارقة حتى الأذنين ومع ذلك تستمر في المكابرة والتطاول ومحاولة الظهور في المشهد العالمي في ثوب الدولة العظمى المدافعة عن حق الشعوب الأخرى في الحرية والانعتاق من انظمتها الدكتاتورية وإعادة الشرعية المزعومة هنا أو القضاء عليها هناك معتمدة في ذلك على أموال مكدسة آمن عقلها الصغير بأن تلك الأموال قادرة على فعل كل شئ وصناعة ما تريد وحيازة ما تشاء حتى القنابل النووية التي تعكف الدول والمجتمعات الطامحة لامتلاكها سنين وعقود طويلة في الأبحاث والبرامج العلمية وإعداد العلماء والمؤسسات المتخصصة ولو كان الأمر كما يظن حكام “سعود” الجدد لوفرت تلك الدول الكثير من الجهد وتوجهت إلى أقرب سوق للسلاح وعادت بتلك القنبلة في رحالها.
هذا النظام الأسري بدا يترنح وانكشفت سوءاته على أوسع نطاق بسبب مغامراته الجنونية في اليمن وما فرض عليه هذا التدخل من التزامات هائلة لشراء الذمم والمواقف حول العالم إلى جانب الانخفاض الذي طرأ على أسعار النفط فاذا به يعجز ومن أول معضلة حقيقية يواجهها عن توفير أدنى متطلبات الحياة المعيشية لمواطنيه ممن ألفوا حياة الترف والنوم لعقود ليعلن بذلك مجبراً بداية النهاية لنعيم زائف وترف كاذب ومع ذلك لايزال هذا النظام على صلفه وغطرسته في السير في طريق الغي والضلالة مع أن العالم أجمع بات يشاهد بأم عينيه السنن الالهية وهي تتحقق على الأرض فيما يتعلق باستحالة دوام النعم أو بقاء أحوال الأمم والبلدان على نمط واحد ولله در ذلك الأديب الموريتاني المعاصر وهو يقول:
قل لمن يحمل همًاً ان هماً لا يدوم
مثلما يفنى السرور هكذا تفنى الهموم .