اليمنيون…والـمعانــــاة الإنسانيـــة

عادل علـــــي ثامـــــر

منذ أكثر من مائتين وسبعين يوماَ مرت باليمن عاصفة عنفٍ دامية تمثلت بالضربات الجوية للعدوان السعودي على اليمن أدّت إلى مقتل وجرح الآلاف من المدنيين، وبصفةٍ خاصة من النساء والأطفال، وألحقت دماراً كبيراً في البنية التحتية على امتداد الخارطة اليمنيّة، وتدمير منازل المواطنين فوق رؤوس ساكنيها؛ الأمر الذي شهد حركة نزوحٍ داخليّة كبيرة نتيجة العدوان السعودي على اليمن.. والتي شهدها اليمن فمنذ بداية العمليات العسكرية للعدوان السعودي على اليمن التي أدت إلى زيادة معاناة واحد وعشرين مليون مواطن يمني؛ أي ما يعادل ثمانون في المائة من سكان اليمن منهم سبعة ملايين طفل بحاجةٍ ماسةٍ للغذاء والدواء والماء النظيف وإلى مساعداتٍ إنسانيةٍ عاجلة وطارئة، حيث يتجاوز عدد النازحين على المستوى الداخلي ما يقارب الـ(6) ملايين شخص؛ ففي مركزٍ لإيواء النازحين في العاصمة صنعاء تعيش أكثر من عائلة في نفس الغرفة بسبب العدوان السعودي على اليمن الذي اضطرهم إلى ذلك فعلى سبيل المثال، أسرة النازح محمد العقبي والتي تتكون من (11) شخصاً والتي تعيش في غرفة واحدة، تتمنى أن لا تعود إلى عبارات السيول أو قنوات تصريف المياه التي لجأت إليها بعد تهدم منزل الأسرة نتيجة القصف العشوائي للعدوان السعودي حيث تحصل في مركز الإيواء على خدمات أساسية وبسيطة من الغذاء والدواء؛ وإن الحادث البشع الذي وقع في فج عطّان دمر بيتهم وأتلف أثاثه وأفقدهم كل شيء بعد هذا القصف مما اضطر للنزول هو وعائلته إلى عبارة السيول قبل أن يأتي إلى هذا المركز.
وأثناء زيارتي لمركز إيواءٍ آخر كانت الطفلة غدير نجم الدين – إحدى الأطفال النازحين من محافظة صعدة، تنظر إليَّ وأنا أحمل الكاميرا بنظراتٍ غريبةٍ وحزينة وهي ترسم قارباً على صفحات دفتر رسمها؛ فسألتها إلى أين تريدين أن يبحر بك هذا القارب؟ فأجابت بكل ثقة: أريد أن آخذ من دمر منزلنا ليرى كيف تمّ تدميره من العدوان على اليمن ؟ وما هي دوافعه التي جعلتهم يقوم بتدمير منزلنا وتشريدنا، وجعلنا من أسرة تملك منزلاً إلى أسرة بدون مسكنٍ أو مأوى.. وفي نهاية حديثها معي قالت غدير: “أريد أن أبقى هنا وأنا سعيدة مع أصدقائي، ولدينا كل يومٍ أشياء جديدة لنقوم بها سوياً”، فالقصص المؤلمة والحزينة كثيرةً وكبيرة ملأت الدنيا رعباً وخوفاً من هذا العدوان البربري الهمجي وهذا القصف المتواصل على أحياء ومنازل المدنيين.
فاليمن تشهد كارثةً إنسانيةً بكل المقاييس، تتصاعد من يومٍ إلى آخر نتيجة استمرا العدوان السعودي على اليمن ، وتزداد بوتيرة عالية مخاوف المجتمع المحلي بشأن تدهور الوضع الإنساني لديهم مع تواصل القصف والعدوان المتواصل بصورةٍ يومية على كافة أنحاء اليمن بدون أي مبرر في الاون الأخير تم قصف دار للمكفوفين بأي ذنب قصف ذلك الدار هل لأنهم مكفوفون ولا يجدون من يدافع عنهم؛ الأمر الذي أفرز أزمةً إنسانيةً وكارثةً كبيرة نتجت عن عدم توفر أساسيات الحياة اليومية من المأكل والمشرب والأمن والأمان، فالنقص الحاد في الغذاء والدواء، صاحبه انقطاع التيار الكهربائي بشكلٍ كلي، وشحةٍ في مياه الشرب طوال تلك الفترة الماضية، وأيضاً توقف العمليات الإنسانية والإغاثية، ناهيك عن المعيقات التي تقف حائرة أمام عدم وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين من العدوان في وقتها وحينها والحصار المفروض على الواردات إلى اليمن وتدمير كافة البنى التحتية من المصانع اليمني لكي تسعى دول العدوان على اليمن أسواق اليمن مساحة خصبة للمنتجاتهم للبيع للمواطن اليمن .. والتزايد الكبير والمهول في أعداد الأسر النازحة إلى أماكن متعددة ومتفرقة.. وكل ذلك يتأتى نتيجة لهذه الأوضاع غير المستقرة والمضطربة.. مما أدى إلى قيام أغلب المنظمات الدولية العاملة باليمن بإجلاء كافة رعاياها من العاملين الأجانب في اليمن خوفاً من استمرار الصراع وعدم استقرار البلد.
فالقطاع الصحي في بلادنا كان له نصيبٌ وافرٌ من هذه العدوان التي تكبدتها البنى التحتية الصحية من تدميرٍ واستهدافٍ مباشر من طائرات العدوان لاستهداف العديد من المرافق الطبية والمستشفيات والمراكز الصحية والعاملين في المنظمات الدولية وآخرها قصف فريق منظمة أطباء بلا حدود العالمية في اليمن أثناء تأديتهم لواجبهم الإنساني في محافظة حجة في تقديم الخدمات الإنسانية للمتضررين من العدوان السعودي ، فيما نشرت تقريرٍ سابقٍ لمنظمة هيومان رايتس ووتش والذي دعت فيها المجتمع الدولي إلى اتخاذ الخطوات الضرورية لإيقاف العدوان السعودي على اليمن وتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين ومعظمهم من الأطفال والنساء، ومن بينها قصف مخيمات النازحين بمحافظتي حجة والحديدة.
فيما المنظمات الدولية والمحلية العاملة في مجال الإغاثة تواجه صعوباتٍ عديدة أهمها شحة المواد الإغاثية المقدمة وضعف الإمدادات، وعدم توفر الوصول الآمن للطواقم الإسعافية في الميدان، وانعدام الوعي باحترام شّارة المنظمات الإغاثية، وصعوبة التّنسيق لتسيير قوافل الإغاثة خشية استهدافها وعدم التأمين على العاملين في المجالات الإنسانية وصعوبة التنقل والوصول إلى السكان الذين يحتاجون إلى مساعدات طبية وإنسانية طارئة وغيرها..
فالمواطن اليمني يواجه أيضاً مشكلاتٍ عديدة تتمثل في نقص الماء والغذاء والدواء، واستهداف المراكز والمستشفيات الطبية، وتعطيل حركة عمل المواطنين، وإغلاق المدارس والجامعات، وكافة المرافق الحكومية والخاصة؛ مما ساهم في تفشي العديد من الأمراض المعدية والأوبئة المميتة في المحافظات التي تشهد ضربات من طائرات العدوان السعودي ، منها: حمى الضنك والملاريا، كما ساهمت قيادة العدوان على اليمن إلى تناقص حاد في أدوية الأمراض المزمنة، مثل: السكر والسرطان وارتفاع ضغط الدم والغسيل الكلوي، وغيرها.. وما ضاعف حجم الآثار الإنسانية هو تناقص حجم الواردات التجارية الذي شلت حركة البلاد وعرضت حياة الملايين إلى الخطر نتيجة الحصار المفروض من قبل دول التحالف والعدوان السعودي البربري على اليمن على عملية الاستيراد للأدوية والمحاليل الطبية، حيث كان له بالغ الأثر في عدم قدرة المواطنين على توفير الأدوية اللازمة لأسرهم، وللعلم بأن اليمن يستورد (90%) من مخزونه الغذائي والدوائي من الخارج، كما أن للارتفاع المفاجئ لأسعار السلع والمواد الغذائية الأساسية، وانعدام المياه النقية، وعدم توفر المشتقات النفطية وانهيار الخدمات الأساسية بشكلٍ عام؛ هذا من جانب، ومن جانب آخر باتت أغلب الأسر المحتاجة والأشد عرضةً للخطر لا تستطيع الخروج من منازلهم لشراء حاجياتهم بسبب استمرار العدوان السعودي والقصف المتواصل على اليمن أدى ذلك إلى انعدم الخدمات الضرورية والأساسية فلا مخابز ولا أفران مفتوحة، كما لا توجد بدائل أو مصادر أخرى وبالذات مع اختفاء المشتقات النفطية؛ فأينما ذهبت تجد أمامك طوابير طويلة في محطات الوقود سواءً كانت (بترول – ديزل – غاز).. وسأورد هنا قصة حدثت (لأم مبارك) والتي تبلغ من العمر 48 عاماً إحدى نازحات محافظة عدن والتي تقول: (لا نستطيع أن نخرج من البيوت لشراء حاجاتنا بسبب العدوان السعودي والقصف الشديد على المدنيين فيها ، وإن معيشتنا سيئة فالمخابز والأفران مغلقة، فلا توجد في منطقتي دار سعد والشيخ عثمان إلا فرن واحد يعمل، وأمامه تصطف طوابير طويلة وهنالك أشخاص قتلوا من ضربات العدوان السعودي على اليمن وهم في طوابير أمام هذا المخبز).
ويعزو أحد المسؤولين في “مستشفى الكويت” بصنعاء النقص الحاد في الإمدادات العدوان لإنقاذ الأرواح في المستشفيات إلى انعدام الواردات الأساسية. وأضاف: “كان للمستشفى مصنع أوكسجين خاص به، ولكن توقف الإنتاج الآن، فلم يعد ممكنا إجراء أعمال الصيانة واستيراد قطع الغيار. نعتمد في الوقت الحاضر على أسطوانات الأوكسجين التي نحصل عليها من خارج المستشفى. ولا ندري ماذا نفعل بعد نفاد مخزوننا منها”.
وتشمل القائمة الطويلة لأوجه المعاناة في اليمن، أزمة إغلاق المدارس والجامعات، وكذلك المرافق الحكومية والخاصة. كما تشمل النقص الحاد في المشتقات النفطية وانهيار الخدمات الأساسية بشكلٍ عام سببها الرئيسي هو العدوان السعودي .

قد يعجبك ايضا