ن .. والقلم .. مطعم خميس !!!
يظل المكان في تطور الشعوب وتنقلها بين المراحل عنوانا بارزا لجزء من نضالات الناس , وتسجيلا أمينا للحظة مكثفة شريفة من حياتهم , يعمل التخلف ومن في نفسه مرض على تغييبه , لكي ينفصم الناس عن ذاكرتهم , ولا يدرون عن نضالات من سبقوهم ما يشفي غليلهم لمعرفة ماذا قدم السابق للاحق !!! , وانظر فقد جرى هدم نافع وهو يعني ما يعني , والرادع والشبكة , والثورة (( الأحمدية )) في تعز , وكذلك الشبكة , والقلعة , حتى دار الضيافة بتعز جرى سحقه هكذا فقط لأن هناك من رأى ذلك وفي قلبه من المرض الشيء الكثير , والرادع تحول إلى موقف للسيارات وقضاء الحاجة !!! . كان شارع علي عبد المغني رئة هذه المدينة والبلد في مرحلة من المراحل , كل الكون تجده على جانبيه , وكم أتمنى إذا أتى زمن له علاقة بروح المكان أن يلحق منه ما يستطيع ليقدم اليمن التي مرت من هناك سينمائيا , هل تراني أبالغ في الحلم !! , وحوله البعض أيضا إلى مجرد شارع للبسطات , كما جرى تمييع شارع سبتمبر بتعز وتحويله إلى (( شارع الحب )) وعربيات تبيع ما تبيع !!!, كما وصفته تلك الشابة الرائعة وقد فوجئت بحديثي عنه ذات صباح جميل في مؤسسة السعيد المغدور بها دليلا ومعنى !!! , وأخاف أن تُسحق بذات ليل كما ضاعت مكتبة الوعي الثوري وتحولت إلى محل يبيع الاكسسوارات !! يا وجع قلبي . عند الخامسة فجرا كنا ننطلق بسيارة (( الفرم )) من باب اليمن نحو علي عبد المغني , فيستقبلنا منتزه التحرير المغدور به هو الآخر , نضع أقراص الروتي المطلوبة للسندوتشات , بعد أن يتكرم علينا الزريقي بكوب شاي لكل منا نطرد به برد الصباحات الصنعائية الجميلة , نواصل حتى مبتدأ شارع الدفاع , أو شارع الذهب الآن , الحركة على أشدها , خميس في الباب بجسده المكتنز , وتوفيق الغليظ يلوح لي بقبضته رسالة بأنه (( سيضربني )) هكذا مزاج !!! وكنت أخافه بالفعل , فيما بعد أصبحنا أصدقاء فكنت أتعمد أن استفزه وعندما يغضب أقول له : هذا بعض الدين, رحمه الله . أجمل ما في الأمر أن تلك المطاعم كانت تفتح قلبها للجنود والطلبة والمحتاجين بلا حساب , تلك كانت روح أصحاب المطاعم في علي عبدالمغني , كان خميس على رأسهم , يظل يراقب الزبائن وعلى طريقة (( الطباخ يعرف وجه المتغدي )) ,فبحدسه الخيِر يعرف أن هذا أو ذاك إما جندي طفران , أو طالب ذاهب إلى المدرسة بلا مصروف , فيشير إليه حين يقوم يسأل : كم الحساب (( مع السلامة )) , كان الخير يتدفق على مطعم خميس لأن يده تمتد بالخير لمن يستحقه !! , مثل أمور كثيرة اندثر مطعم خميس , مات هو , ومات توفيق , وتحول الشارع إلى ما يشبه سوق البورصة مكانا متوحشا لا عواطف له !!! , علي عبد المغني من تغنى به البردوني في اليمن الجمهوري عاد شارعا موحشا , يلهث لا تدري إلى أين , فندق غيلان اختفى , ومطعم العزعزي عبده سعد يبدو انه اغترب!!! , هناك شارع سبتمبر يُراد له أن يغادر لا تدري إلى أين !!! . لا يهمني من أين هو خميس , يهمني أن أقول : رحمة الله عليه , و لله من قبل ومن بعد .