ردوا لنـا ديـنـنا الذي عرفنــاه !
د/ إبـراهيم إسحاق
– عندما كنـّـا متخلفين كان من أهم المواد التي ندرسها في الصف الثاني أو الثالث والرابع الابتدائي مادة (الأخلاق والمحفوظات) وكان من أهم دروس الأخلاق أن (الجار من جاورت داره دارك إلى أربعين دارا) وأن لأولئك الجيـران حقوقاً كثيرة أقلها مشاركتهم أفراحهم وأتراحهم.
– وكنا إذا مات أحد لايتخلف واحد منّـا عن السير في جنازته وتلك واحدةٌ من أهم الحقوق على المسلم لأخيه المسلم (إذا مات أن يسير في جنازته) وكانت مساجدنا الصغيرة البسيطة تزدحم بدارسي ماتيسر من القرآن الكريم على نية الميت وأموات المسلمين والمسلمات كما لم يكن أحدنا يكتفي – مثلما يحصل هذه الأيام – بالحضور لدقائق بعدد أصابع اليدين أو أقل في قاعات الأفراح والأتراح وبالكاد يسمع المنشد ويتلو فاتحة الكتاب بطريقة {الاختـزال}.
– وعندما كنا متخلفين كان أساتذتنا – ونحن في الابتدائي – يقودونـنا وقت صلاة الظهر إلى المسجد ويعلمونا – بطريقة عملية – كيف نتوضأ ثم نصلي الظهر جماعة (وجهراً) لكي يتعلم الصغير من الكبير والكبير من المعلم ماذا يقرأ في الركعات الأربع وكيف يؤديها بالشكل الصحيح، وحتى التسبيح ركوعاً وسجوداً كنا نؤديه جميعاً بصوتٍ عالٍ حتى نتعلمه بإتقان كما يكون شكل صلاتنا واحداً موحداً فلا يماري أحدنا غيره بأن صلاته وتسبيحه أصح وأوفى.
– وعندما كنا متخلفين! كان في صنعاء مسجدٌ يُـسمى المـُـفتون (بضم الميم والتاء وسكون الفاء) وقد سمّـوه كذلك لأن ثلة من العلماء الفقهاء الأتقياء يرتادونه للصلاة ولفتوى من يأتي من الناس للسؤال عن مسألةٍ فقهيةٍ ما، ولم يكن أحدٌ من أولئك العلماء يعترض على أخيه إذا سمعه يفتي أحداً برأي مخالف بل يتركه فلكل مجتهدٍ نصيب وكل مجتهدٍ (في المسائل الفروعية الظنية) مُـصيب.
– وفي مسجد حارة العلمي – مثلاً – كان الصف الأول لكبار العلماء أمثال المفتي العلامة أحمد زبارة رحمه الله والوالد العلامة محمد بن محمد المنصور شفاه الله فإذا ماسهى الإمام فكل واحد من أولئك أهل لتصويبه، وعامة الناس لهم بقية الصفوف.
– وروى لي من أثق فيه أنه عندما كنا متخلفين! كان لايجوز لأحدٍ كان أن يفتح محلاً للبيع والشراء إلا إذا كان مُـلِـمّـاً بالمسائل الفقهية أو على الأقل قد درس (على شيخٍ تقيّ فقيه) باب البيوع في شرح الأزهار.
– وأخيراً أذكر فيما أذكر – وكنتُ حينها صبياً – أن تغيـّـب مؤذن مسجد الرحمة فتطوع أحدهم ليؤذن بدلاً عنه لكنه – إما سهواً أو لأن مذهبـــــه كذلك – لم يقل في أذانه (حيّ على خير العمل) فهبّ أحد الغيورين أو مدّعي الغيرة ليشكو للوالد العلاّمة المرحوم عبدالقادر بن عبدالله الذي رد عليه بكل هدوءٍ وأريحية:
– أحسب ياولدي أنك في الحرم، ولا داعي لإعادة الأذان !.
ورحم الله الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز الذي قال:
– والله ما اختلف الناسُ على نبيٍّ ولا كتاب ولكنهم اختلفوا على درهمٍ وديـنار !