موسكو/وكالات
كان عام 2015م بالنسبة لروسيا ولرئيسها فلاديمير بوتين حافلا بالأحداث على جميع الأصعدة، كما أنه واجه خلال هذا العام تحديات تعيد إلى الأذهان المشاكل التي عصفت بروسيا في التسعينات.
وبالإضافة إلى المشاكل التي كانت متوقعة، مثل استمرار تطبيق العقوبات الغربية ومواصلة تراجع أسعار النفط والكساد الاقتصادي، كانت موسكو في عام 2015م على موعد مع مواجهات سياسية جديدة نشبت في العالم وصعود الإرهاب الدولي.
بدأ الرئيس مؤتمره الصحفي السنوي الذي عقده يوم 17 ديسمبر الجاري بتكرار نكتة سوفيتية قديمة تحاكي الواقع عن صديقين يلتقيان بعد انقطاع طويل، ويسأل أحدهما الآخر: “كيف حالك؟” ويجيب الثاني: “عادي.. الحياة مكونة من خطوط سوداء وبيضاء.. خط أسود ويليه خط أبيض”.. “وعلى أي خط أنت الآن؟”
واعتبر الرئيس هذه النكتة تصور جيدا الوضع في روسيا، معيدا إلى الأذهان أن الوضع قبل عام كان يبدو سيئا، لكن اتضح مع مرور الوقت أنه كان جيدا بالمقارنة مع ما جاء بعده.
وفي الوقت نفسه يرى الكرملين أنه لا داعي لتصوير الوضع أكثر سوادًا مما هو عليه في حقيقة الأمر.
وأقر دميتري بيسكوف الناطق الصحفي باسم الرئيس بأن عام 2015م كان صعبا فعلا، لكنه لفت الانتباه في مقابلة مع وكالة “تاس”، إلى أن البلاد تعد اليوم أكثر قوة بالمقارنة مع أي وقت مضى.
وأردف قائلا: “إذا تذكرنا الوضع في عام 2000م (عندما تولى بوتين السلطة في روسيا لأول مرة)، عندما كانت البلاد تتمزق على أيدي السياسيين الإقليميين، وعندما كانت أسعار النفط تبلغ قرابة 20 دولارا، فسنرى أن الوضع آنذاك كان أصعب مما هو الآن”.
وأوضح: “اليوم أصبحت البلاد موحدة، وفيها هيكلية سلطة ثابتة.. وهنا ما يتيح لنا المزيد من القدرات لمواجهة التحديات”.
واعتبر بيسكوف أن المواجهة الحالية بين موسكو والغرب ليست بالجديدة.
وتابع: “الفرق الوحيد يكمن في أن المواجهة اليوم ازدادت حدة وانفعالا بعد خلع جميع الأقنعة”.
وتابع: إن القضايا الأساسية التي تواجهها روسيا تبقى نفسها، ومنها، على سبيل المثال التطورات السلبية في المجال الاقتصادي وخطر الإرهاب الدولي.
وكان الإرهاب أحد التحديات الأساسية التي واجهتها روسيا في عام 2015م، لكن هذا التهديد القديم الجديد تمثل هذه المرة في شكل تنظيم “داعش” الذي استوعب في صفوفه آلاف المتطرفين من حاملي الجنسية الروسية.
وكانت موسكو تلعب دورا نشطا في التسوية السورية منذ بداية النزاع المسلح في هذه البلاد عام 2011م، لكنها قررت في عام 2015م الدخول في الحرب ضد الإرهاب بشكل مباشر وحازم.
وأمر الرئيس بوتين بإطلاق عملية عسكرية جوية ضد الإرهابيين في سوريا بدءا من 30 سبتمبر الماضي.
وخلافا للغارات التي يشنها التحالف الدولي بقيادة واشنطن على الأراضي السورية، يعمل الجيش الروسي في البلاد بشكل شرعي تماما تلبية لطلب الحكومة الشرعية في دمشق.
وخلال الأشهر الأولى من العملية، ساهمت الغارات الروسية في إبعاد خطر سقوط دمشق بأيدي المتطرفين، وسمحت للجيش السوري ببدء التقدم في العديد من الجبهات.
وتعد الغارات الروسية في سوريا أكبر عملية عسكرية يجريها الجيش الروسي خارج أراضي البلاد في تاريخ روسيا الحديث. وأظهرت هذه العملية مرة أخرى تنامي قدرات القوات المسلحة الروسية بقدر كبير.
وفي المقابل وجه الإرهابيون ضربتين موجعتين لروسيا تمثلتا بإسقاط طائرتين إحداهما مدنية فوق صحراء سيناء نهاية أكتوبر ووفاة جميع ركابها الـ 224شخصاً والثانية طائرة حربية طراز (سو 24) أسقطت فوق الأراضي السورية في 24نوفمبر الماضي بصاروخ من تركيا واعتبرها بوتين طعنة من الظهر.
وكان الوضع في جنوب شرق أوكرانيا في النصف الأول من عام 2015م متوترا على الرغم من تحقيق انفراج نوعي على طريق تسوية النزاع المسلح بين الجيش الأوكراني وقوات دونيتسك ولوغانسك تمثل في التوقيع على اتفاقات مينسك السلمية يوم 12 شباط الماضي.
وجاء التوقيع على الاتفاقات بفضل جهود زعماء روسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا. وبعد مفاوضات رباعية استمرت لـ16 ساعة، قال بوتين للصحفيين: “لم تكن هذه الليلة الأفضل في حياتي، لكن يبدو لي أن الصباح جاء بخير، لأننا تمكنا، على الرغم من جميع الصعوبات، من التوصل إلى اتفاقات حول النفاط الأساسية”.
وعلى خلفية استمرار تطبيق الغرب لعقوباته ضد روسيا، حدد الرئيس بوتين المجالات التي يجب ضمان الاكتفاء الذاتي بالكامل فيها وإحلال الواردات بنسبة 100%. ويدور الحديث عن المجالات المتعلقة بضمان الأمن القومي بدءا من الأمن الغذائي ووصولا إلى الأمن العسكري.
لم تكن العقوبات العامل الوحيد الذي جاء بتأثير سلبي على الاقتصاد الروسي في عام 2015م، بل تأثر الاقتصاد بالدرجة الأولى بانهيار أسعار النفط، وهو أمر أدى بدوره إلى تراجع سعر صرف الروبل بقدر كبير وتنامي وتائر التضخم.
وفي نهاية المطاف، اضطرت الحكومة لتعديل ميزانية عام 2015م بشكل جذري، والتخلي عن الميزانية السابقة التي وضعت لمدة 3 سنوات.
وعلى الرغم من تسجيل تراجع الإنتاج الصناعي والناتج المحلي الإجماعي في أعقاب عام 2015م، إلا أن الإحصائيات الأخيرة تدل على استئناف النمو في العديد من المجالات، فيما أكد بوتين أن البلاد تجاوزت ذروة الأزمة.
Next Post