تحقيق / أسماء حيدر البزاز –
الأطفال زهرة الحياة وأملها وبستان المشاعر البريئة والأحلام الوردية المحتاجة للأمان والحب والحنان , تتحول البراءة في عيونهم كوابيس والوداعة رعباٍ لو صار أقرب الناس إليهم سببا في انتهاك طفولتهم وجرحهم بأسلوب تربوي عنيف وتعامل فظ كل ما فيه قسوة وعقاب.
حرق وحبس !!
الطفل أسامة في ربيعه الخامس من العمر توفيت أمه منذ عامين ويعيش مع والده وخالته ( زوجة أبيه ) بعد وفاة أمه لم يلاق سوى العنف والقسوة فإذا أخطأ أو نسي كالأطفال تحرق يده بالنار ويضرب بالأسلاك ضربا مبرحا ويعنف بألفاظ بذيئة وجارحة.
استوقفناه يوما فباح لنا بأمره قائلا : كل يوم ألاقي من أسرتي مختلف الإهانات والعنف لأمور تافهة وأحيانا يصل الأمر إلى حبسي بدون طعام ولا شراب من الصباح حتى المساء أما أبناء خالتي من أبي فمحال ضربهم أو معاقبتهم ولا أجرؤ حتى على اللعب معهم , لقد كرهت أبي والأسرة والبيت بأكمله!!
أما الطفلة عبير ذات السبعة أعوام فوالداها انتهجا معها العنف في التربية وتركا على ذراعيها آثار إصابات مشوهة تؤكد عبير أن والدها يعاقبها بحرقها بسيجارته على يدها وعنقها وإذا اشتكت أمها منها يسحبها على شعرها حتى يكاد أن يغمى عليها … تقول: أنا لا أحب أبي وأمي لأنهما يكرهانني ودائما ما أحلم في منامي أنهما يريدان قتلي وأرتعد خوفا منهما خاصة بعد أن قام والدي بعصر يد أخي بشدة حتى كسرها عندما رسب في امتحانه.
تربية وحشية
حال الطفل أيمن 10 سنوات لا يختلف كثيرا عن ما ذكرناه فقد تعددت أسباب العنف والنتيجة واحدة وقد روتها لنا معلمته صفاء الحكيم قائلة: أيمن طفل مشاكس ومهمل نوعا ما في دراسته فعملت إشعاراٍ لوالده بالحضور حتى نناقش سبب ذلك الاهمال المفاجئ ونعالجه ولم أكن أدري أن والده بتلك القسوة والهمجية فمجرد ما سمع أن أيمن نزل مستواه الدراسي حتى دخل الفصل وأمام الزملاء والمدرسين سحب ولده بكل عنف وقام بضربه بالعصا بوحشية والتلفظ عليه بألفاظ مهينة ولطمه على وجهه بأسلوب مقزز ومؤلم حتى جاء المدرسون و أفلتوه من يده بصعوبة بالغة والدماء تسيل من رأسه .. مضيفة لا نلوم هؤلاء الاطفال الأبرياء في حال فشلهم مادامت تمارس عليهم هذه الوحشية.
أطفال مجرمون
يقول المختص النفسي الدكتور محمد الجهني : إن الآثار النفسية التي تنعكس على شخصية الطفل ضحية العنف الأسري تولد بثوراٍ غائرة وعميقة في نفس الطفل الذي تعرض للأذى وتبقى آثارها واضحة وعميقة حتى حينما يكبر أيا كان نوع العنف لفظياٍ أو نفسيا أو جسدياٍ .
ويشير الجهني إلى أن الممارسات العنيفة التي يذوق مرارتها الأطفال تجعلهم يصبحون مجرمين ومنحرفين وصيداٍ سهلاٍ لعصابات وأشخاص يجندونهم للقيام بأعمال غير سوية كالإرهاب وتجارة المخدرات وينعكس سلبا على المجتمع.
وطالب الجهني جميع الأسر بإيقاف الممارسات العنيفة ضد أبنائهم ونقل الطفل الذي يتعرض للعنف والتعذيب إلى دار رعاية اجتماعية لأنه هناك سيجد تربية ورعاية افضل مطالبا وزارة الداخلية والمؤسسات الاجتماعية والجهات القضائية بالتعاون لوضع حل حازم للعنف الأسري والوقوف ضد كل من يتسبب بالإساءة للأطفال.
مؤشرات خطيرة
كشفت دراسة علمية مؤخرا أن 96% من الآباء الذين يضربون أبنائهم تعرضوا للضرب وهم صغار وأن الضرب والتعنيف المستمر يربي عقداٍ نفسية لدى الأبناء ويفاقم العنف الأسري ويتحول إلى مشكلة من الصعب مواجهتها في حال توسع العنف من الأسرة إلى المجتمع وأصبح شكلاٍ من أشكال السلوكيات الشاذة.
وخلصت دراسة حديثة إلى أن ضرب أو تعنيف الأطفال ولو بشكل لفظي يسفر عن إصابتهم بالتوتر النفسي وقد يؤدي الى الإصابة بأمراض خطيرة كالسرطان والربو .. وتؤكد الدراسة ان استعمال العنف عموماٍ لا سيما مع الأطفال يجعلهم أكثر عْرضة للإصابة بالأمراض المزمنة.
وحول العلاقة بين أساليب العنف والاصابة بالأمراض الخطيرة توصلت الدراسة إلى أن حوالي 70% من المصابين بأمراض السرطان و60% من مرضى الربو تعرضوا للتعنيف الجسدي أو لوسائل عقاب أدت بالتالي الى إصابتهم بحالات من القلق والتوتر النفسي.
المختص الاجتماعي الدكتور محمد المطوع أوضح ان أسباب العنف التي يلجأ إليها الآباء تكون نتيجة ظروف خارجية كالإهمال وسوء المعاملة والعنف الذي تعرضوا له عند طفولتهم وأدت الى تراكم نوازع مختلفة تمخضت بعقد نفسية قادت في النهاية إلى التعويض عن الظروف السابقة باللجوء إلى العنف داخل الأسر , مضيفا أن الظروف الاقتصادية قد تكون سبباٍ لممارسة العنف وتفريغ شحنة الخيبة والفقر.
من لا يرحم لا يْرحم
الشيخ إبراهيم العلفي يرى أن سبب تفشي هذه الظاهرة الخطيرة ضعف الوازع الديني في نفوس الآباء الذين لم يراعوا حق أبوتهم في أمانتهم التربوية فنبينا الأسمى يضرب لنا أروع الأمثلة والقيم التربوية التي لا بد من إحيائها اليوم في التعامل مع الاطفال بكل يسر ولين وحب وحنان.
مستشهدا بأن رسول الله كان إذا صلى وصعد الحسن والحسين على ظهره يضعهما برفق على الأرض وإذا دنا للسجود عادا إلى ظهره حتى يقضي صلاته.
وإن الأقرع بن حابس جاء إلى رسول الله فرآه يقبل الحسن فقال : أتقبلون صبيانكم ¿! فقال رسول الله : (نعم) فقال الأقرع : إن لي عشرةٍ من الولد ما قبلت واحد منهم قط فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من لا يرحم لا يرحم) وعندما غضب معاوية على ابنه يزيد وهجره قال له الأحنف : يا أمير المؤمنين أولادنا ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا ونحن لهم سماء ظليلة وأرض ذليلة فإن غضبوا فارضهم وإن سألوا فاعطهم ولا تكن عليهم قفلاٍ º فيملوا حياتك ويتمنوا موتك وهي بالمقابل رسالة لكل الآباء فمثلما لكم حق على أبنائكم لأبنائكم حق عليكم فإن خنتم أمانة الله فيهم أو أديتموها فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته وتداعيات ذلك أنتم من تتحملونها أمام الله وقانون البشر.
