ذكريات مع صاحبة الجلالة
علي محمد الجمالي –
منذ ما يقرب من ربع قرن من الزمان .. كنت آنذاك أحد براعم بريد صحيفة الثورة أعبر عن رأيي بكل تلقائية وعفوية .. وأنهل من معارف أساتذتي الكبار.. من نجوم صحيفة الثورة.. التي كانت تهتم بالكتاب الناشئين.. شأنها شأن صحف أخرى. والذي كان بريد الثورة فيها عبارة عن مدرسة جامعة لأصحاب الرأي المتعطشين.. إلى نقد الظواهر السلبية أيا كانت والتي كانت حينها هذه المقالات والكتابات والملاحظات واللقطات السريعة يحسب لها ألف حساب .. ويهتم بها كبار المسئولين في الدولة.. ويحاسبون ويعاقبون ويرسلون لجانا لتقصي الحقائق عما كتب.. واستمررت على هذا الحال مفضلا طرح رأيي عبر صحيفة الثورة .. رغم تنقلي وكتاباتي في صحف أخرى.. كثيرة حتى شجعني الأستاذ يحيى طاهر الحكيم صاحب الأخلاق العالية ونقلني إلى صفحة التحقيقات والاستطلاعات.. وكتاب صفحة الرأي .. وأساتذتي عبر مشواري الذي يقترب من ربع قرن كثيرون بعضهم لقي ربه.. مترحما عليه .. وبعضهم ينتظر .. وما بدلوا تبديلاٍ..
ومن باب الإنصاف أن صحيفة الصحوة هي أول من نشرت لي مقالا أو أكثر في بريد قرائها وشجعتني لأن أواصل الكتابة فيها.. إلا أن صدورها الأسبوعي .. كان يزيدني قلقا لانتظار نزول مقالي فحاولت مراراٍ الكتابة في بريد صحيفة الثورة.. حتى نجحت واستمررت مفضلا إياها على غيرها لأنها يومية وواسعة الانتشار .. وكثيرا ما يشتد بي الخطب الجلل حين تتأخر كتابتي عن النشر في صحيفة الثورة.. لأني اجد فيها متنفسي.. وفي صحيفة الثورة صلتي المباشرة.. مع الأساتذة القراء المثقفين وأصحاب الرأي الذين أجدهم في كل مكان .. يمطروني بالملاحظات والمقترحات والعتاب والإعجاب في أكثر الأحيان.. وفعلا كانت صحيفة الثورة هي الصحيفة المحببة إلى نفسي لأنها يومية.. وسريعاٍ ما يتم نشر الكتابة فيها.. وإذا تأخرت الكتابة عن النشر يبلغ بي القلق مبلغه حتى يتم نشر كتابتي.. فتهدر أيام عمري دون أن أعرف .. وهكذا استمررت .. أرسم آلامي ووجع قلبي بيدي .. لكي يطلع عليها الآخرون.. وبطبيعة الحال الكاتب للمقاولات أشبه بالشمعة تحرق نفسها لكي تضيء ليل الآخرين .. ويوما فيوم ظلت كتاباتي تعالج هموم الناس بتلقائية في الطرح .. وعمق في المعنى .. وأثر عند من يعرف ويسمع الكلام من المسئولين .. الذين شغلتهم الدنيا.. ولم يصحوا من سكرة المسئولية وبهرجتها .. إلا بعد أن يقالوا أو يعزلوا .. كم تكون سعادتي كبيرة عندما يكون للكتابة أثرها.
إن صحيفة الثورة اليوم تعاني من خمول ومعاناة ونكران من بعض مسئولي الدولة وطمس للأدوار التي قامت بها.. منذ فجر الثورة فلم تلق دعما.. ولم تزدها حركة التغيير وثورات الربيع العربي.. إلا إرهاقا وشح موارد .. فبعد أن كانت صحيفة الثورة شعلة متوهجة »بصفحة بريد الثورة.. التي كانت محاكمة علنية للمقصرين والعابثين .. وصفحتي الرأي والمساحة الكبيرة للتعبير وعدد المقالات المنشورة.. والبريد الإلكتروني عبر الانترنت.. واهتمام برعاية الكتاب والصحفيين. بإنتاجهم الفكري . أولا بأول أصبحت صحيفة الثورة هذه الأيام بصفحة رأي واحدة يتيمة محدودة .. تحجمت فيها الكتابات .. وتراكمت حتى يجيء دورها للنشر .. رغم الجهود التي يبذلها المشرفون على الصفحة .. أما الكتابات الآنية .. التي تواكب الحدث ينتهي مفعولها ويزال أثرها لتأخرها .. كما أن صفحة بريد الثورة ضاعت في ضبابية وظلمة حركة التغيير . فأصبحت ظلمات بعضها فوق بعض.. كما أن الصفحات عبر الايميل اختفت بفعل أمراض السياسة المقيتة ودس الأخبار الكاذبة باسم الصحيفة .. فكان لهم ما أرادوا وهو تحجيم دور صحيفة الثورة .. ولولا صفحة الاستراحة في صحيفة الثورة لغاب قراؤها عنها .. لكننا نشد على يد رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير الأستاذ فيصل مكرم ونائبه أن لا يستسلموا لهذه العوامل والانقسامات في الرأي.. فيكفي أن البلد منقسم ويعاني الأمرين .. وكل يوم جديد نحلم فيه أن يكون أفضل من سابقه نراه متعثرا .. إننا نريد من هيئة تحرير صحيفة الثورة.. أن لا يستسلموا لهذا الأفول الذي ينذر بظلمة حالكة.. وأن يستمروا نجوما كما عرفناهم.. وأن تعاد صفحات الرأي كاملة غير منقوصة وصفحة بريد الثورة .. لأنها مدرسة .. يتخرج منها أجيال الصحفيين والكتاب لأننا في النهاية لا نريد أن يحجم دور صحيفة الثورة وانتشارها .. ويكتب التاريخ أن شعلة الثورة انطفات وأفل نجمها.. لكن أملنا كبير في الأستاذ فيصل مكرم الذي أعرفه حازما .. ونجما لامعا يحترم الرأي ويعطي الأمور حقها من الأهمية أن يعيد للثورة بريقها وانتشارها من خلال توسيع مساحة الرأي المسؤول لكي تعود صحيفة الثورة .. الصحيفة الأولى في اليمن .. كما كانت وإنا لمنتظرون.
Alim6060 @yahoo.com