العـدوان وسيناريو انـفصال الـجنوب
* لم تتعر السعودية قبلاً على النحو الذي ظهرت عليه في ظل يوميات العدوان على اليمن، فبالإضافة إلى انكشاف الوجه الصهيوداعشي للرياض، تجلت مؤامرة كانت تطبخ على نار هادئة، وتوهم آل سعود أن الوقت أضحى مواتياً للإعلان عنها وتسويقها في المحافل العربية والدولية.
قبل أيام كشف أحد الباحثين السعوديين المستور، وأعلن في فعالية للمجلس الوطني للعلاقات العربية الأمريكية بواشنطن عن توجه لقيام دولة مستقلة في جنوب اليمن مدعومة خليجياً، رغم أن البيانات الرسمية للسعودية ودول الخليج تؤكد دوماً على دعم وحدة واستقرار اليمن.
وبالطبع فإن مؤامرة تقسيم بلادنا وتجزئتها ليست جديدة. وقد فشلت المحاولة الأولى في حرب صيف 1994م، حين انتصرت (الشرعية) عسكرياً، وإن فشلت سياسيا في إدارة دولة الوحدة ، ما أدى إلى تخلق القضية الجنوبية التي رفع لواءها الحراك الجنوبي وبعض القوى والأحزاب السياسية المعارضة للنظام السابق.
لا جدل أن للقضية الجنوبية بعداً سياسياً يستوجب إعادة النظر في شكل الدولة اليمنية، واجتراح تسوية تاريخية تفضي إلى شراكة وطنية حقيقية في الثروة والسلطة بعيداً عن منطق الضم والإلحاق ومركزية الحكم الذي ينفر منه غالبية أبناء شعبنا في الشمال قبل الجنوب.
بيد أن نقاش القضية الجنوبية والاعتراف بضرورة الحل العادل لها، لا يعني حكماً مسايرة مطالب فك الارتباط وحق تقرير المصير، على النحو الذي ترفعه نخبة جنوبية تنكرت لهويتها اليمنية، وباتت على استعداد لإعلان دويلة في الجنوب، وضمها لمجلس دول الخليج، تحت وهم أن دولة منفصلة عن الشمال ستكون أكثر أمناً واستقرارا ورخاءً.
في ظل ذاك الوهم نسجت المؤامرة، واستغلت السعودية ودول الخليج الحالة السياسية الانتقالية في البلد والتعاطف السياسي الكبير مع القضية الجنوبية، وعملت من خلال مؤتمر الحوار الوطني على تمرير فكرة ومشروع الأقاليم الفيدرالية، وصولا إلى إقرار تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم دون النظر إلى التحفظات والاعتراضات التي أعلنت في حينه من قبل بعض أعضاء مؤتمر الحوار ومن بعض القوى السياسية، التي طالبت بإعادة النظر في هذا التقسيم بشكل علمي بعيداً عن ضغوط وإكراهات السياسة.
وفيما كانت الأنظار تتجه إلى اليمن الجديد، كانت خيوط المؤامرة تنسج بإتقان للحد من الاعتراضات الشعبية على التقسيم المعلن الذي انطوى على انتقام من بعض مناطق شمال الشمال وعزلها في إقليم مفخخ بالقبائل والسلاح، وبلا موارد نفطية أو منفذ بحري، دونما اعتبار لمآلات الإقصاء المبكر والمكشوف لجزء أصيل من الشعب اليمني!!
ما حدث بعدها وإلى اليوم، يأتي في سياق انتفاضة شعبية لكبح جماح التقسيم والانفصال، وكان سيناريو ما قبل العدوان يقود إلى إعلان انفصال سلس للجنوب من قبل هادي وزمرته، خصوصا بعد أن تمكن من الفرار إلى عدن، لولا أن سرعة تحرك الجيش واللجان الشعبية أجهضت المشروع، فانتقلت الرياض إلى الخطة (ب)، وإعلان التدخل العسكري في اليمن تحت غطاء الشرعية.
واليوم وبعد أن فشل العدوان في تحقيق أهدافه بالقوة العسكرية، فإنه يسعى إلى تثبيت انفصال جنوب اليمن كأمر واقع، من خلال الألاعيب السياسية والاستخباراتية واستخدام النخبة المرتزقة في الشمال والجنوب على حد سواء.
يزعم المتحدث السعودي- وهو يمهد لدعم استقلال الجنوب- أنه لم يكن هناك يمن واحد على مر التاريخ. وهذا غير صحيح ، فاليمن الموحد كان حقيقة منذ 2000 سنة، ولم يكن التشطير إلا استثناءً، لكن الأصح أن الدولة السعودية هي الطارئة في تاريخ وجغرافية الجزيرة العربية!!.
وإذ يعمل العدوان على نشر الفوضى الشاملة، والدفع عملياً باتجاه إعلان دولة او دويلات في الجنوب الذي يراد له أن يكون خليجيا- داعشيا، بقطع النظر عن هويته اليمنية العربية الأصيلة، فإن السعودية تتجاهل أنها بذاتها ليست بمعزل عن مخاطر التفتيت، خاصة أنها تشكلت من خلال احتلال أجزاء كبيرة من الدول المجاورة، بالإضافة إلى طمس هوية الشعب العربي في نجد والحجاز.. ودولة تاريخها من زجاج لا ينبغي لها أن ترمي جيرانها بالحجار!!!.