من كتابه “ثورة 14 أكتوبر اليمنية من الانطلاقة حتى الاستقلال”: فترة الاستقلال في ذاكرة المناضل راشد محمد ثابت
سقوط معظم مناطق الجنوب في العام 1967م أجبر بريطانيا على مفاوضات الاستقلال
استطاع وفد المفاوضات نيل الاستقلال الناجز والكامل رغم الضغوطات التي مورست ضده
خليل المعلمي
مثلت الفترة من العام 1963م خاصة بعد انطلاق ثورة الـ14 من أكتوبر، وحتى الاستقلال في الـ30 من نوفمبر 1967م من أحلك فترات نضال الشعب اليمني في جنوب الوطن واشترك فيها المناضلون من مختلف المناطق اليمنية من أقصى الشمال حتى أقصى الجنوب وكان لثمرة ذلك النضال أن أدركت بريطانيا الاستعمارية صلابة وقوة اليمنيين في الحصول على حقوقهم المشروعة، فاضطرت بذلك إلى مغادرة هذه البلاد وتركها لأهلها.
وقد سجل الشعب اليمني في تلك الفترة المواقف القوية والنضالية وطالب بالاستقلال دون شرط أو قيد وحمل بندقيته على كتفه وانطلقت المظاهرات في كل المرافق الحيوية وشارك فيها العمال والطلاب والمواطنون، الجميع أدرك أن الاستعمار الذي جثم على البلاد ما يقارب من 130 عاماً لم يحقق إلا المزيد من التمزيق والتفرقة واستغلال الثروات ونهبها لصالحه دون النظر إلى حقوق اليمنيين.
أفرزت تلك الفترة مناضلين وسياسيين محنكين ومقاتلين أشداء استطاعوا خلال سنوات قليلة أن يهزوا عرش الامبراطورية التي وصفت بأنها “الامبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس” فتوحدت صفوفهم على عكس ما كان يخطط له الاستعمار وعملاؤه، واشتعلت الجبهات في جميع المناطق وبرزت القوى السياسية على الساحة الوطنية مثل الجبهة القومية وجبهة التحرير وعدد من الأحزاب السياسية المنضوية تحت رايتهما، فكان إذعان الاستعمار وتنازله المتسارع واستسلامه لرغبة الحركة الوطنية في منح البلاد الاستقلال، ودعا إلى مفاوضات الجلاء في الـ20 من نوفمبر من العام 1967م وتمت المفاوضات في جنيف وبالفعل رحل آخر جندي في الـ30 من نوفمبر 1967م ونال الوطن استقلاله.
أكتوبر من الانطلاقة حتى الاستقلال
في ذاكرة المناضل راشد محمد ثابت وهو عضو الجبهة القومية لتحرير جنوب الوطن الكثير من الذكريات سجلها في كتابه “ثورة 14 أكتوبر اليمنية من الانطلاقة حتى الاستقلال”، تعرض للاعتقال مرتين من قبل الاستعمار البريطاني، المرة الأخيرة اعتقل في العام 1965 وأفرج عنه في نوفمبر في العام 1967م، شغل العديد من المناصب القيادية والتنفيذية بعد الاستقلال، فكان مديراً عاماً للإذاعة والتلفزيون ومن ثم وزيراً للإعلام بداية العام 1973م ووزيراً للدولة، ووزيراً للثقافة والسياحة، ووزيراً لشؤون الوحدة اليمنية، وعمل سفيراً لليمن في كل من تونس والمغرب.
في كتابه هذا رصد نضال اليمنيين منذ تفجير ثورة الرابع عشر من أكتوبر في العام 1963م وحتى الاستقلال، أبرز خلال ذلك الدور النضالي للشعب اليمني في مجابهة الاستعمار ومقارعته عبر التنظيمات الفدائية والعسكرية والسياسية وبدعم من ثوار السادس والعشرين من سبتمبر في شمال الوطن.
عام الاستقلال
كان عام الاستقلال هو العام الأهم في تلك المرحلة حيث تصاعدت الأحداث وكانت الجبهة القومية قد سيطرت على الكثير من المناطق وقامت بحل السلطنات والمشائخ في تلك المناطق وتشكيل سلطة تنفيذية تقوم محلها.
وعلى الرغم من المؤامرات التي حاكتها الحكومة البريطانية ومنها إشعال فتيل الصراع بين المناضلين في الجبهة القومية وجبهة التحرير، واتخذت ذريعة بأنها لن تسلم السلطة إلاّ إلى سلطة تستطيع السيطرة على كل المناطق وأنها مع وحدة الأراضي اليمنية في الجنوب، وكما وصفها المناضل راشد محمد ثابت في صفحات الكتاب بالقول: وعلى مشارف هذه التطورات لم يفت الجبهة القومية أمر التنبه إلى ما تحيكه الحكومة البريطانية من مؤامرات لتدويل جزيرة ميون وبعض الجزر اليمنية الأخرى وكانت الجبهة القومية قد حددت موقفها الواضح والصريح والقاضي بتحرير كل الجزر اليمنية واعتبارها جزءاً من أراضي الجنوب اليمني المحتل ثم أتت التصريحات البريطانية المعبرة عن نوايا الاستعمار بفصل بعض الجزر وتدويلها وبدأت على إثر ذلك باتخاذ خطوات عملية عن طريق القيام باتصالات دبلوماسية مع مختلف الدول في الأمم المتحدة لتسليم الأمم المتحدة إدارة جزيرة ميون، غير أن أبناء هذه الجزيرة تنبهوا لمرامي هذه التحركات وأحبطوا مؤامرة التهيئة النفسية لتدويل الجزيرة الأمر الذي اضطر بريطانيا إلى إعلان فشلها في تدويل هذه الجزيرة.
ويضيف: تشير الرسائل والمذكرات التي كانت ترد إلى الأمم المتحدة من المندوب السامي البريطاني في عدن بهدف وضعها في صورة ما يجري من تطورات داخلية ويفيدها بأن الجبهة القومية قد أحكمت سيطرتها على مناطق السلطنتين القعيطية والكثيرية في حضرموت وكذلك السيطرة على المهرة، وعبّر المندوب السامي البريطاني عن ترحيب حكومته بمؤتمر الحوار الذي ينعقد في القاهرة بين ممثلين عن جبهة التحرير والجبهة القومية غير أنه يرى أن الوقت لا يسير في مصلحة القوات البريطانية والإبقاء على وجودها في المنطقة خاصة وأن استعدادات الانسحاب مرتبطة ببرنامج زمني محسوب ويمكن استكمالها خلال فترة قصيرة وأن الحكومة البريطانية لترجو أن يتم على نحو سريع في اللقاءات المنعقدة بين المجموعتين في القاهرة تشكيل وفد للتفاوض حول إجراءات الاستقلال النهائية.
وعلى إثر ذلك أعلن وزير الخارجية البريطاني في البرلمان أن حكومة بلاده تتوقع من الجبهتين حل خلافاتهما وتشكيل وفد مشترك للتفاوض معها وأشار إلى أن المعلومات تؤكد أن الجماعتين اللتين تتفاوضان في القاهرة تمكنتا من الوصول إلى اتفاق على تكوين الوفد المفاوض حول إجراءات الاستقلال وأن الحكومة البريطانية حريصة على أن تترك وراءها بلداً موحداً ومستقراً وأكد الوزير البريطاني في آخر البيان المعلن على أن حكومته قررت أن يتم استقلال الجنوب في شهر نوفمبر 1967م وقبل حلول يوم الاستقلال سوف تعلن حكومته التاريخ المحدد للانسحاب النهائي والكامل من المنطقة.
التحرك نحو الاستقلال
يقول راشد محمد ثابت في الكتاب: كانت الجبهة القومية وهي تنتظر الرد على برقيتها التي أرسلت إلى وزارة الخارجية البريطانية قد حصلت على رد يتضمن الموافقة على إجراء المفاوضات في جنيف وجرت المشاورات بواسطة الاتصال التليفوني حول تحديد تاريخ البدء بالمفاوضات التي تحدد بناء على اقتراح الجبهة القومية في 20 نوفمبر 1967م وعلى إثر ذلك أصدرت الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل بلاغاً صحفياً جاء فيه أن الجبهة القومية قد طلبت أن تبدأ المفاوضات مع الحكومة البريطانية يوم الاثنين 20 نوفمبر 1967م وأن الجبهة القومية قد اتخذت كل الترتيبات والخطوات الضرورية وشكلت وفداً خاصاً للمفاوضات برئاسة السيد قحطان محمد الشعبي عضو اللجنة التنفيذية وعضو القيادة العامة للجبهة القومية وسيرافق الوفد عدداً من المستشارين في الشؤون الاقتصادية والمالية والقانونية والعسكرية وسيلتقي أعضاء الوفد والمستشارين بما فيهم المتواجدون خارج المنطقة في زمن محدد في بيروت العاصمة اللبنانية ومن ثم مواصلة سفرهم إلى جنيف، في غضون ذلك تناقلت وكالات الأنباء وأجهزة الإعلام الأجنبية ما ورد في بيان وزير الخارجية البريطاني الذي أدلى به في مجلس العموم البريطاني والمتضمن قرار الحكومة البريطانية بأن تجري المباحثات حول الاستقلال وتسليم السيادة في الجنوب اليمني بين حكومة بريطانيا وبوصفها الدولة المستعمرة وبين الجبهة القومية بوصفها ممثلة للشعب، وأكد أنها ستبدأ في يوم 20 نوفمبر 1967م في مدينة جنيف العاصمة السويسرية وأضاف في تأكيده أن القوات البريطانية المتواجدة في أجزاء من المنطقة سوف تنسحب نهائياً في نهاية نفس الشهر نوفمبر 1967م وأن الوفد البريطاني في المحادثات سيكون برئاسة (اللورد شاكلتون) مشيراً بوجود مسائل ضرورية من الأفضل أن تسوى قبل أن يصبح الجنوب اليمني مستقلاً ولكن إذا لم تنته المفاوضات قبل الاستقلال فليس هناك ما يمنع أن تستمر هذه المفاوضات بين دولتين بعد الاستقلال.
ويقول: إن تلك القرارات من قبل الحكومة البريطانية لم يأت بدافع الرغبة الصادقة من بريطانيا في تسليم الاستقلال والإقرار بحرية الشعب اليمني ولا من واقع أن السياسة البريطانية قد تغيرت تجاه الشعوب المستعمرة ولكن موقف التسليم بالاستقلال والاعتراف بحرية الشعب وسيادته على أراضيه انتزع انتزاعاً بفعل النضال الجماهيري السياسي والمسلح وتحت ضغوط التصعيد المستمر لهذا النضال الذي قادته الجبهة القومية منذ فجر الرابع عشر من أكتوبر 1963م حتى يوم الاستقلال وأن الوضع السياسي الذي تشكل على ساحة الجنوب اليمني بتأثير هذا الكفاح الثوري وسيطرة الجبهة القومية على كل أراضي الجنوب قد وضع السلطات الاستعمارية البريطانية أمام خيارين لا ثالث لهما إما أن تسلم بالأمر الواقع وتقر بأن الجبهة القومية وحدها تقود ثورة الشعب وتمثله والتي يجب أن تسلمها السلطة والسيادة أو أن تراهن على الجواد الخاسر من العملاء وتترك المنطقة دون أن تفي بالتزاماتها السياسية والأخلاقية، ولا ننسى أن الأمل كان يراود الحكومة البريطانية أن تترك المنطقة بعد رحيل جنودها وهي تموج بالصراعات وتسبح في بحر من الدماء جراء الاقتتال الأهلي ودمار المؤامرات الاستعمارية.
إلا أن ذلك لم يتم لبريطانيا وفوت شعبنا اليمني الفرصة عليها وعدم الوصول إلى النهاية المحزنة التي كانت تخطط لها بريطانيا، وتم تضييق الخناق على القوات البريطانية وسياستها حتى استسلمت ووافقت على الاستقلال.
تصاعد الأوضاع ومحادثات الاستقلال
يؤكد المناضل راشد محمد ثابت في كتابه المعبر عن حقيقة الكفاح الذي شهده جزء غال من وطننا في الجنوب أن الحركة الوطنية في الجنوب اليمني المحتل تمكنت من تحقيق الانتصار على الاستعمار البريطاني ودحر قواته العسكرية المدججة بأحدث الأسلحة والمعدات المتطورة وكانت الجماهير كل الجماهير اليمنية هي المحرك الأساسي والقوة التي بفضلها تحقق هذا الانتصار الكاسح على الاستعمار وأعوانه وكانت الجبهة القومية قبل أن تقوم بتشكيل وفدها المفاوض في محدثات الاستقلال في جنيف قد أعلنت سيطرتها على كل مناطق الجنوب وتوالي سقوط السلطات في المناطق الريفية خلال عام الاستقلال حيث سقطت كل من الضالع وشعيب في شهر يونيو وسقطت مناطق المفلحي ولحج ودثينة والعواذل ويافع السفلى والعليا في شهر أغسطس، فيما سقطت مشيخة العقربي ومناطق أحور والمحفد العوالق السفلى وسلطنة القعيطي في حضرموت ومنطقتي بيحان وحريب في شهر سبتمبر، وسقطت سلطنة الكثيري بحضرموت ومشيخة العوالق العليا ومناطق العوالق السفلى باكازم والمهرة ومنطقة الواحدي في شهر أكتوبر من العام 1967م.
وإثر سقوط تلك المناطق تم تشكيل لجان وإدارات أمنية وإدارية لحفظ الأمن وتعزيز مسؤولية الجبهة القومية في السيطرة الكاملة على سلامة وأمن مناطق الجنوب المحررة بعد جلاء الاستعمار البريطاني عنها.
وشددت السلطات الجديدة ضرورة المحافظة على نظام العمل في الإدارات العامة لدوائر السلطة والمؤسسات والشركات وتأمين سلامة المواطنين وممتلكاتهم الخاصة وكذا الحفاظ على الممتلكات العامة الثابتة والمنقولة في المناطق المحررة.
تشكيل وفد المفاوضات
وقد شكلت الجبهة القومية وفدها للمفاوضات من أبرز القياديين في الجبهة وهم كالتالي:
قحطان الشعبي – رئيساً.
عبدالفتاح إسماعيل- عضواً.
فيصل عبداللطيف- عضواً.
محمد البيشي- عضواً.
سيف أحمد الضالعي- عضواً.
خالد عبدالعزيز- عضواً.
عبدالله صالح سبعة – عضواً.
رافق الوفد المفاوض مجموعة من المختصين في الجوانب الفنية في المباحثات ومستشارين في الشؤون السياسية والاقتصادية والمالية والقانونية والتاريخية وكلما يتصل بجوانب المفاوضات والقضايا المثارة بين الوفدين اليمني والبريطاني.
حيث غادر الوفد مدينة عدن يوم الأحد 19 نوفمبر 1967م متجهاً إلى بيروت للانضمام إلى أعضاء الوفد المتواجدين في الخارج والذي تحرك بعضهم من القاهرة إلى بيروت بعد أن قابلوا الرئيس جمال عبدالناصر قبل انطلاقهم إلى العاصمة السويسرية جنيف.
وقبل مغادرته القاهرة أدلى رئيس الوفد قحطان الشعبي بتصريحات إلى وسائل الإعلام حدد فيها القضايا التي ستكون مثار نقاش مع الجانب البريطاني وهي القضايا التالية:
إن المفاوضات ستتناول بالدرجة الأولى تحقيق الاستقلال الناجز وتسليم السيادة للحكومة الوطنية، وكذا رفض أي اتفاق عسكري أو دفاعي أو أحلاف سياسية، ورفض الدخول في نطاق الكومنولث البريطاني، عدم التفريط في أي جزء من الجنوب اليمني بما فيها كل الجزر التي ترتبط بأراضي الجنوب اليمني المحتل.
وكذلك رفض أية قيود أو شروط من أي نوع كانت سواء كانت اقتصادية أو مالية أو سياسية، وأن الحكومة الوطنية الجديدة قد تقبل الارتباط بمنطقة الاسترليني لمدة معينة تكون قابلة للتجديد أو الإلغاء، وستعمل على إلغاء كل الاتفاقات الموقعة بين بريطانيا والسلاطين والمشائخ السابقين وحكومة الاتحاد المزيف.
وأضاف الشعبي أن المفاوضات ستشمل طلب معونات وتعويضات مالية غير مشروطة وتسليم كل ممتلكات الجيش البريطاني الثابتة لحكومة الثورة، كما سيكون الاتجاه بتحديد فترة انتقالية بعد الاستقلال وسيتم إنشاء مجلس وطني تأسيسي لإعداد الدستور الدائم.
وأشار راشد محمد ثابت إلى أن الوفد اليمني أثناء المفاوضات تعرض للكثير من الضغوطات لكنه وقف أمامها بصلابة واستطاع أن يفرض شروطه وآرائه ونيل الاستقلال الكامل والناجز على كل الأراضي اليمنية التي كانت تحت الاحتلال البريطاني.
إعلان الاستقلال
يقول المناضل راشد محمد ثابت أن الجبهة القومية في صبيحة يوم 26 نوفمبر أصدرت بياناً أعلنت فيه أنه بعد منتصف الليلة الماضية لتاريخ البيان تمت عملية انسحاب القوات البريطانية الاستعمارية من أحياء كريتر، والمعلا والتواهي وبذلك لا يكون لقوات الاحتلال الأجنبية أي وجود في أراضي الجنوب ما عدا بعض قوات في معسكر القوى الجوية التي ستنسحب ليلة الثلاثين من نوفمبر 1967م.
وقبل انسحاب بقية جيوب القوات البريطانية من مدينة عدن تحركت في يوم 27 نوفمبر 1967م في جميع أحياء مدينة عدن وفي أغلب مناطق الريف مسيرات شعبية كبرى تعبر فيها الجماهير عن فحرتها وابتهاجها بجلاء القوات البريطانية من معظم أحياء المدينة وتأكيداً على التفافها حول قيادتها الطليعية الجبهة القومية.
وفي النشرة التي كان يصدرها مكتب إعلام الجبهة القومية في عدن تناولت في افتتاحياتها ليوم 29 نوفمبر 1967م موضوع الجلاء النهائي لقوات الاحتلال البريطاني مبشرة بشروق شمس الحرية والعزة والكرامة قائلة:
اليوم يتم الجلاء النهائي لقوات الاحتلال البريطاني بعد استعمار دام ما يزيد عن قرن وربع القرن، اليوم تتطهر أرضنا وإلى الأبد من أي وجود أجنبي، اليوم تشرق علينا شمس الحرية بأضوائها لتنير الظلام الذي لف البلاد طوال حكم الاستعمار البغيض.
واليوم كذلك يعود وفد الجبهة القومية من جنيف بعد اجتماعاته مع الوفد البريطاني في مفاوضات الاستقلال، وها هي شوارعنا تزينها الأعلام وتسطع فيها الأنوار احتفالاً بهذه الأيام العظيمة وإن على جماهير الشعب أن تبدأ تفاعلها الثوري الضروري مع قيادتها منذ الآن بتنظيم الاحتفالات وتسيير المسيرات الشعبية ونشر جو البهجة والأمل في طول البلاد وعرضها.
وكان يوم الثلاثين من نوفمبر من العام 1967م هو يوم رحيل آخر جندي بريطاني عن الجزء الجنوبي من وطننا الغالي.
نقد العقل الأصولي
صدر حديثا، عن الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة، كتاب جديد للباحثة “منى أبوسنة”، بعنوان “نقد العقل الأصولي”، ضمن سلسلة المكتبة السياسية.
يعتبر هذا الكتاب، نموذجا للتحليل النقدي الذي تسميه الكاتبة “العقل الأصولي”، ويعتمد زاوية فلسفية تركز على نظرية “المعرفة” من جهة، وعلى رؤية ثقافية عقلانية مستندة إلى التنوير من جهة أخرى، إذ تنتهي الكاتبة منى أبوسنة، من خلال هذا التحليل إلى غياب التنوير في الثقافة العربية، حيث أن غياب التيارين العلماني والعقلاني، أدّى إلى اجتياح “التيار الأصولي” في مجتمعاتنا، وبالتالي انفراد ذلك التيار بالخيارات اليومية، لأنه لم يظهر بديلٌ يتصدّى للتيار الأصولي، وحملت الكاتبة النخبة المثقفة المسؤولية المباشرة عن غياب التيار البديل.
الجدير بالذكر، أن الكتاب يضمّ أربعة أبواب، فالباب الأول بعنوان “الأصولية والتنوير”، والباب الثاني يتحدث عن “العلمانية”، والباب الثالث يقدم “إشكاليات التحوّل الديمقراطي في مصر”، وبالنسبة إلى الباب الرابع والأخير، فيتناول شرح “الأصولية والهوية الكوكبية”.
وترى الكاتبة أن النخبة المثقفة مسؤولة مباشرة عن غياب ذلك التيار البديل.
رحلات إلى الشرق
عن المؤسسة العربية للدراسات ببيروت صدر كتاب بعنوان ‘رحلات بين العراق” العراق وبادية الشام خلال القرن السادس عشر’ وهو من ترجمة وتعليق الأكاديمي العراقي د. أنيس عبد الخالق محمود.
ويقول د. أنيس عن هذا الكتاب: على الرغم من أن كتب الرحلات أخذت تستحوذ على اهتمام متزايد في الآونة الأخيرة من لدن الباحثين والمؤرخين وعامة القرّاء، إلا أن رحلات القرن السادس عشر لا تزال بعيدةً عن متناول اليد، باستثناء حالات نادرة ـ رحلة الهولندي ليونارد راوولف (1573) مثلاً. ولهذا السبب، وقع اختيارنا على هذه الرحلات الأجنبية النادرة الست، التي تكاد أن تكون الرحلات المعروفة الوحيدة عن تلك الحقبة، مع أن البحث لا يزال جارياً لتقديم رحلات أخرى غير معروفة.. تمثل هذه الرحلات باكورة مشروع ضخم كنّا قد شرعنا به منذ سنوات، ونوّهنا عنه في أكثر من مناسبة، لترجمة رحلات أجنبية جديدة، أو بترجمة جديدة كاملة، تغطي الحقبة من القرن السادس عشر حتى نهاية القرن الثامن عشر. وقد انتهينا من ترجمة نحو خمس عشرة رحلة منها، ودفعنا بعضها للطبع، وسنقدم البعض الآخر قريباً، بحسب التسلسل وبخطة مدروسة، بإذن الله.تتضمن كل رحلة مقدمة مستقلة تتناول محورين أساسيين: تعريفا بسيرة الرحالة، وتعريفا بكتاب رحلته، بطبعاته وترجماته المختلفة.
كما حرصنا عل إغناء كل رحلة بالحواشي والتعليقات التوضيحية أنّى تطلبت الحاجة، وعقدنا مقارنات مختلفة بين رحلة وأخرى ضمن هذا الكتاب، وبينها وبين رحلات أخرى، مترجمة أو غير مترجمة، بهدف ملاحظة أوجه التشابه والاختلاف التي طرأت على أسماء المناطق، ولرصد الروايات المتعددة للحدث التاريخي الواحد . إلى جانب ذلك فقد زودنا كل رحلة بصور مختلفة، تضمنت صور الرحالة إن تيسرت مع نماذج لأغلفة كتاب رحلته، بطبعاته المختلفة، وزودناها بالرسوم والصور التوضيحية والخرائط. ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أننا نقلنا النصوص كما هي، فلم نتدخل فيها، أو نزيد عليها، أو نحذف منها أي شيء، وهو سياق اتبعناه في هذا الكتاب، وفي جميع كتب الرحلات الأخرى التي سنقدمها للنشر قريبا بإذن الله. ولذلك، فالمواد تعكس وجهات نظر أصحابها الرحالة، ولا تعكس وجهات نظر المترجم.يقع الكتاب في 224 صفحة من القطع الكبير.