دولة المواطنة المتساوية
د/أحمد صالح النهمي
ظلت مفردات الديمقراطية، وإطلاق الحريات، والعدالة وحقوق الإنسان وما يدور في فلكها من مبادئ إنسانية وقيم ديمقراطية أكثر مفردات المعجم السياسي التي تتردد على ألسنة زعماء قوى النفوذ العالمي في خطاباتهم مع كل مناسبة أمام العالم، بيد أن الواقع العملي يكذب هذه الزعامات وتنظيراتها الجوفاء ويظهر أنظمتها على أنها تمارس الدجل والنفاق والازدواجية في التعاطي مع هذه المبادئ، ففي حين تنادي بضرورة مساعدة بعض الشعوب للوصول إلى حقوقها السياسية في اختيار حكامها نجدهم يستميتون في المنطقة العربية خلف بعض الأنظمة الدكتاتورية المتخلفة التي تمارس في حكم شعوبها الاستبداد السياسي وقمع الحريات ويسخرون قواتهم العسكرية في حمايتها والحفاظ عليها ونهب خيراتها وتسخيرها في تنفيذ أهدافها الاستعمارية ضد غيرها من البلدان .
لقد كشف العدوان على اليمن الستار الزائف الذي يتخفى وراءه زعماء القوى العالمية وأدعياء منظمات حقوق الإنسان ، فهم لا يكتفون بالصمت المتواطئ والحياد السلبي أمام جرائم أبشع عدوان عرفته الإنسانية منذ بدء الخليقة، ولكنهم بشكل علني فاضح يمدونه بالأسلحة الفتاكة والدعم اللوجستي ويسخرون القرارات الأممية في تبرير جرائمه، والمنظمات الحقوقية في التغطية عليها في مشهد يكشف مدى الانحطاط الأخلاقي والسقوط الإنساني والانتهازية الكبرى التي وصلت إليها الإنسانية اليوم ، باستثناء القلة القليلة من ذوي الضمائر الحية.
على شاشات القنوات الرسمية الإماراتية ظهر قبل يومين أحد حكام دولة الإمارات، وهو يلقي خطابا للشعب الإماراتي يحذرهم فيه مما أسماه تساؤلات المرجفين الذين يتساءلون لماذا ذهبوا بأبنائهم إلى محارق الموت في اليمن، فعادوا جثثا محمولة على النعوش، لم يجد هذا الحاكم من تبرير لمشاركة الإمارات في التحالف العدواني على اليمن سوى الحديث عن فزاعة الحوثيين وخطورة التغييرات التي يقودونها في اليمن على مستقبل وجود كياناتهم وبقاء دولهم في المنطقة .
وإذا كان مثل هذا الخطاب وما يسوقه من تبريرات للمشاركة في العدوان على اليمن يكشف حجم التخبطات التي تعيشها هذه الأنظمة في التعاطي مع شعوبها والتضليل الإعلامي الذي تمارسه للحيلولة دون معرفة الأسباب الحقيقية وراء مشاركتها في العدوان على اليمن فإن ما يجدر الإشارة إليه في هذا المقام هو أن هذه الكيانات ترى في قيام دولة يمنية مدنية عادلة خطرا حقيقيا يتهدد وجودها وينذر بزوالها ؛ لأن اليمن لو استطاعت أن تصل إلى بناء الدولة المدنية ستشكل نموذجا ديمقراطيا متحررا في المنطقة، وهو الأمر الذي سيحفز جماهير شعوب المملكة والخليج للمطالبة بحقوقها في الديمقراطية والعدالة والحقوق والحريات وبالتالي فإن هذه المبادئ تقف على النقيض من وجود هذه الدول وقابلية استمراريتها ، ولهذا فإنها تسعى بمساعدة القوى الكبرى على إفشال خروج اليمن من أنفاق التيه المظلمة وتحقيق الدولة المدنية العادلة كضمان لاستمرار وجودها الأسري في الحكم ، واستمرار قوى النفوذ العالمي في ابتزاز ثرواتها والسيطرة على قراراتها وتسخير إمكانياتها في العدوان على البلدان الأخرى .
التحدي الحقيقي لليمنيين المقاومين للعدوان هو الالتفاف حول مشروع الدولة المدنية العادلة والانتقال به من دائرة التنظير إلى آفاق الممارسة الفعلية، وعلى قوى الثورة والتغيير في اليمن أن يكونوا نموذجاً في سلوكهم وممارساتهم لما يتطلعون إلى تحقيقه ولما ثاروا من أجله، وما لم يكونوا القدوة والمثال فيما ينادون به ويدعون إليه فإنهم لن يكونوا سوى نسخة مكررة ممن ثاروا ضدهم وصدق الله القائل “أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم”